( قال ) الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر السلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي : رضي الله تعالى عنه اليمين في اللغة القوة ، ومنه قوله تعالى { لأخذنا منه باليمين } ، وقال القائل :
رأيت عرابة الأوسي يسمو إلى الخيرات منقطع القرين إذا ما راية رفعت لمجد
تلقاها عرابة باليمين
ثم بدأ الكتاب ببيان النوع الأول فقال : الأيمان ثلاثة وهذا اللفظ على النحو الذي ذكره رحمه الله تعالى يروى عن رجلين من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين محمد أبي مالك الغفاري وكعب بن مالك رحمهما الله ولم يرد عدد الأيمان ، فإن ذلك أكثر من أن يحصى ، وإنما أراد أن : يمين يكفر ، ويمين لا يكفر ، ويمين يرجوا أن لا يؤاخذ الله تعالى بها صاحبها ، فأما اليمين بالله تعالى تنقسم في أحكامها ثلاثة أقسام فهو يمين على أمر في المستقبل لإيجاد فعل ، أو نفي فعل ، وهذا عقد مشروع أمر الله تعالى به في بيعة نصرة الحق وفي المظالم والخصومات ، وهي في وجوب الحفظ أربعة أنواع : نوع منها يجب إتمام البر فيها ، وهو أن الذي يكفر ، أو الامتناع عن معصية ، وذلك فرض عليه قبل اليمين وباليمين يزداد وكادة [ ص: 127 ] ونوع لا يجوز حفظها وهو أن يعقد على أمر طاعة أمر به لقوله صلى الله عليه وسلم : { يحلف على ترك طاعة أو فعل معصية } . ونوع يتخير فيه بين البر والحنث ، والحنث خير من البر فيندب فيه إلى الحنث لقوله صلى الله عليه وسلم : { من حلف أن يطيع الله فليطعه ، ومن حلف أن يعصي الله فلا يعصه } . وأدنى درجات الأمر الندب ، ونوع يستوي فيه البر والحنث في الإباحة فيتخير بينهما ، وحفظ اليمين أولى بظاهر قوله تعالى { من حلف على يمين ورأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير ، وليكفر واحفظوا أيمانكم } . وحفظ اليمين يكون بالبر بعد وجودها فعرفنا أن المراد حفظ البر ، ومن حنث في هذا اليمين فعليه كما قال تعالى { الكفارة : فكفارته إطعام عشرة مساكين } . ويتخير بين الطعام والكسوة والإعتاق للتنصيص على حرف أو ; ولأن البداية بالأخف والختم بالأغلظ إشارة إلى ذلك ; لأنها لو كانت مرتبة كانت البداية بالأغلظ .