الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين الآية:

                                                                                                                                                                                                                                      ذهب بعض أهل التأويل إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: فإما منا بعد وإما فداء [محمد: 4]، وأنه لا يقتل أسير صبرا، إما أن يمن عليه، وإما أن يفادى، قاله الضحاك، والسدي، وعطاء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن هذه الآية أعني: التي في هذه السورة- ناسخة لقوله تعالى: فإما منا بعد وإما فداء ، وإنه لا يجوز في الأسارى من المشركين إلا القتل، قاله قتادة، ومجاهد.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد: الآيتان محكمتان؛ لأن معنى وخذوهم واحصروهم : خذوهم أسرى؛ للقتل، أو المن، أو الفداء، على ما يراه الإمام.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 219 ] وقوله: وإن أحد من المشركين استجارك فأجره الآية:

                                                                                                                                                                                                                                      قال الضحاك، والسدي: هذا منسوخ بقوله: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم .

                                                                                                                                                                                                                                      غيرهما: هو محكم؛ والمعنى: وإن أحد من المشركين الذين أبيحوا أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر استجارك؛ فأجره حتى يسمع كلام الله، فإن لم يسلم؛ فاردده إلى حيث يأمن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ذلك بأنهم قوم لا يعلمون أي: ذلك الفعل منك بهم؛ بأنهم قوم لا يعلمون ما لهم في الإسلام، وما عليهم في الكفر، قاله مجاهد، وابن زيد، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم الآية:

                                                                                                                                                                                                                                      استدل بعض العلماء بهذه الآية على وجوب قتل كل من طعن في الدين من الكفار، وإن كانوا معاهدين، وأكثر العلماء على أن كل من سب النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الذمة قتل، واستدل بعضهم على صحة ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل كعب بن الأشرف، وكان معاهدا.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن أبي حنيفة أنه قال: لا يقتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الذمة؛ لأن ما هم عليه من الشرك أعظم، وقد أمر الله تعالى بإقرارهم على كفرهم إذا أدوا الجزية، مع إخباره عنهم بأنهم لا يؤمنون بالله، ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 220 ] وقال بعض أهل العلم: إن قال الذمي: إن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس بنبي، أو نحو ذلك من القول؛ لم يقتل، لكن يبالغ في أدبه؛ حتى لا يظهر أحد منهم ما يعتقده، وإن سبه بغير ذلك؛ قتل.

                                                                                                                                                                                                                                      واختلف فيه إذا سب، ثم أراد الإسلام؛ فقيل: يقتل، وقيل: لا يقتل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا : اختلف العلماء في دخول الكفار المساجد؛ فقال أهل المدينة: الآية عامة في سائر المشركين، وسائر المساجد، فلا يدخل أحد منهم مسجدا إلا لضرورة.

                                                                                                                                                                                                                                      الشافعي: هي عامة في سائر المشركين، خاصة في المسجد الحرام، ولا يمنعون من دخول غيره.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو حنيفة، وأصحابه: لا يمنع اليهود والنصارى من دخول المسجد الحرام، ولا غيره، ولا يمنع من ذلك إلا المشركون أهل الأوثان.

                                                                                                                                                                                                                                      عطاء بن أبي رباح: الحرم كله مسجد وقبلة؛ فينبغي أن يمنعوا من دخول الحرم.

                                                                                                                                                                                                                                      واستدل من أوجب الغسل على المشرك بهذه الآية، وهو مذهب مالك، وابن حنبل، وغيرهما، واستحبه الشافعي، ولم يوجبه، قال: إلا أن يعلم أنه جنب؛ فيغتسل.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 221 ] وذهب بعض العلماء إلى أن هذه الآية ناسخة لما كان صالح عليه النبي صلى الله عليه وسلم المشركين من ألا يمنع أحد من البيت.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية