الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
السادسة: ما أسنده البخاري ومسلم رحمهما الله في كتابيهما بالإسناد المتصل فذلك الذي حكما بصحته بلا إشكال.

وأما المعلق وهو الذي حذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر فأغلب ما وقع ذلك في كتاب البخاري، وهو في كتاب مسلم قليل جدا - ففي بعضه نظر.

وينبغي أن تقول: ما كان من ذلك ونحوه بلفظ فيه جزم وحكم به على من علقه عنه فقد حكم بصحته عنه. مثاله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا. قال ابن عباس: كذا. قال مجاهد: كذا. قال عفان: كذا. قال القعنبي: كذا. روى أبو هريرة كذا وكذا. وما أشبه ذلك من العبارات. فكل ذلك حكم منه على من ذكره عنه بأنه قد قال ذلك ورواه، فلن يستجيز إطلاق ذلك إلا إذا صح عنده ذلك عنه.

ثم إذا كان الذي علق الحديث عنه دون الصحابة: فالحكم بصحته يتوقف على اتصال الإسناد بينه وبين الصحابي. وأما ما لم يكن في لفظه جزم وحكم مثل: روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، وروي عن فلان كذا، أو في الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا - فهذا وما أشبهه من الألفاظ ليس في شيء منه حكم منه بصحة ذلك عمن ذكره عنه؛ لأن مثل هذه العبارات تستعمل في الحديث الضعيف أيضا. ومع ذلك فإيراده له في أثناء الصحيح مشعر بصحة أصله إشعارا يؤنس به ويركن إليه. والله أعلم.

ثم إن ما يتقاعد من ذلك عن شرط الصحيح قليل يوجد في كتاب البخاري في مواضع من تراجم الأبواب دون مقاصد الكتاب وموضوعه الذي يشعر به اسمه الذي سماه به وهو: (الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه) وإلى الخصوص الذي بيناه يرجع مطلق قوله: "ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح".

[ ص: 253 ] [ ص: 254 ] [ ص: 255 ]

التالي السابق


[ ص: 253 ] [ ص: 254 ] [ ص: 255 ] 20 - قوله: (وأما الذي حذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر وأغلب ما وقع ذلك في كتاب البخاري، وهو في كتاب مسلم قليل جدا - ففي بعضه نظر.

وينبغي أن يقول: ما كان من ذلك ونحوه بلفظ فيه جزم وحكم به على من علقه عنه فقد حكم بصحته عنه.

مثاله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا. قال ابن عباس: كذا. قال مجاهد: كذا. وقال عفان: كذا. قال القعنبي: كذا. روى أبو هريرة كذا وكذا. وما [ ص: 256 ] أشبه ذلك من العبارات. فكل ذلك حكم منه على من ذكره عنه بأنه قد قال ذلك ورواه، فلن يستجيز إطلاق ذلك إلا إذا صح عنده ذلك عنه.

ثم إذا كان الذي علق الحديث عنه دون الصحابة: فالحكم بصحته يتوقف على اتصال الإسناد بينه وبين الصحابي. وأما ما لم يكن في لفظه جزم وحكم مثل: روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، وروي عن فلان كذا، وفي الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا - فهذا وما أشبهه من الألفاظ ليس في شيء منه حكم منه بصحة ذلك عمن ذكره عنه؛ لأن مثل هذه العبارات تستعمل في الحديث الضعيف أيضا. ومع ذلك فإيراده له في أثناء الصحيح مشعر بصحة أصله إشعارا يؤنس به ويركن إليه. والله أعلم) انتهى كلامه. وفيه أمور:

أحدها: أن قوله: (وهو في مسلم قليل جدا) هو ما ذكر، ولكني رأيت أن أبين موضع ذلك القليل؛ ليضبط:

فمن ذلك قول مسلم في التيمم: "وروى الليث بن سعد، حدثني جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن عمير مولى ابن عباس أنه سمعه يقول: أقبلت أنا وعبد الله بن بشار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا على أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري، فقال [ ص: 257 ] أبو الجهيم: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل ..." الحديث.

وقال مسلم في البيوع: "وروى الليث بن سعد، حدثني جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز، عن عبد الله بن كعب بن مالك، عن كعب بن مالك أنه كان له مال على عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي ..." الحديث.

وقال مسلم في الحدود: "وروى الليث أيضا عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، عن ابن شهاب بهذا الإسناد مثله" وهذان الحديثان الأخيران قد رواهما [ ص: 258 ] مسلم قبل هذين الطريقين متصلا، ثم عقبهما بهذين الإسنادين المعلقين، فعلى هذا ليس في كتاب مسلم بعد المقدمة حديث معلق لم يوصله إلا حديث أبي الجهيم المذكور.

وفيه بقية أربعة عشر موضعا رواه متصلا ثم عقبه بقوله: ورواه فلان. وقد جمعها الرشيد العطار في "الغرر المجموعة" وقد بينت كل [ ص: 259 ] ذلك في كتاب جمعته فيما تكلم فيه من أحاديث الصحيحين بضعف أو انقطاع. والله أعلم.

الأمر الثاني: أن قوله في أمثلة ما حذف من مبتدإ إسناده واحد أو أكثر: (قال عفان كذا، قال القعنبي كذا) ليس بصحيح، ولم يسقط من هذا الإسناد شيء، فإن عفان والقعنبي كلاهما من شيوخ البخاري الذين سمع منهم، فما روى عنهما ولو بصيغة لا تقتضي التصريح بالسماع فهو محمول على الاتصال، وقد ذكره ابن الصلاح كذلك -على الصواب- في النوع الحادي عشر من كتابه في الرابع من التفريعات التي ذكرها فيه، فأنكر على ابن حزم حكمه بالانقطاع على حديث أبي مالك الأشعري، أو أبي عامر في تحريم المعازف؛ لأن البخاري [ ص: 260 ] [ ص: 261 ] أورده قائلا فيه: "قال هشام بن عمار" وهشام بن عمار أحد شيوخ البخاري.

وذكر المصنف هنا من أمثلة التعليق: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا. قال ابن عباس: كذا وكذا. روى أبو هريرة كذا وكذا) قال الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، وهكذا إلى شيوخ شيوخه.

قال: وأما ما أورده كذلك عن شيوخه فهو من قبيل ما ذكرناه قريبا في الثالث من هذه التفريعات. انتهى كلامه، وسيأتي هناك ذكر ما يعكر على كلامه فراجعه. والذي ذكره في ثالث التفريعات أن من روى عمن لقيه بأي لفظ كان فإن حكمه الاتصال بشرط السلامة من التدليس. هذا حاصل ما ذكره، وهو الصواب، وليس البخاري مدلسا، ولم يذكره أحد بالتدليس - فيما رأيت - إلا أبا عبد الله بن منده، فإنه قال في جزء له في "اختلاف الأئمة في القراءة والسماع والمناولة [ ص: 262 ] والإجازة": أخرج البخاري في كتبه الصحيحة وغيرها: قال لنا فلان وهي إجازة، وقال فلان وهو تدليس" قال: "وكذلك مسلم أخرجه على هذا". انتهى كلام ابن منده وهو مردود عليه، ولم يوافقه عليه أحد علمته.

والدليل على بطلان كلامه أنه ضم مع البخاري مسلما في ذلك، ولم يقل مسلم في صحيحه بعد المقدمة عن أحد من شيوخه: قال فلان، وإنما روى عنهم بالتصريح، وهذا يدلك على توهين كلام ابن منده.

لكن سيأتي في النوع الحادي عشر ما يدلك على أن البخاري قد [ ص: 263 ] يذكر الشيء عن بعض شيوخه ويكون بينهما واسطة، وهذا هو التدليس. والله أعلم.

الأمر الثالث: أن قوله: (ثم إذا كان الذي علق عنه الحديث دون الصحابة فالحكم بصحته يتوقف على اتصال الإسناد بينه وبين الصحابي) فيه نقص لا بد منه، وهو أنه يشترط مع اتصاله ثقة من أبرزه من رجاله، ويحترز بذلك عن مثل قول البخاري: وقال بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الله أحق أن يستحى منه".

وقد ذكر المصنف - بعد هذا - أن هذا ليس من شرط البخاري قطعا، قال: [ ص: 264 ] "ولذلك لم يورده الحميدي في جمعه بين الصحيحين".

الأمر الرابع: أنه اعترض على المصنف فيما قاله من أن ما كان مجزوما به فقد حكم بصحته عمن علقه عنه وما لم يكن مجزوما به فليس فيه حكم بصحته؛ وذلك لأن البخاري يورد الشيء بصيغة التمريض، ثم يخرجه في صحيحه مسندا، ويجزم بالشيء وقد يكون لا يصح.

ثم استدل المعترض بذلك بأن البخاري قال في كتاب الصلاة: ويذكر عن أبي موسى كنا نتناوب النبي صلى الله عليه وسلم عند صلاة العشاء، ثم أسنده في باب فضل العشاء. وقال في كتاب الطب: ويذكر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرقى بفاتحة الكتاب، وهو مذكور عنده هكذا: قال ثنا سيدان بن مضارب، ثنا أبو معشر البراء، [ ص: 265 ] حدثني عبد الله بن الأخنس، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس به.

وقال في كتاب الأشخاص: ويذكر عن جابر (أن النبي صلى الله عليه وسلم رد على المتصدق صدقته) قال: وهو حديث صحيح عنده: دبر رجل عبدا ليس له مال غيره، فباعه [ ص: 266 ] النبي صلى الله عليه وسلم من نعيم بن النحام. وقال في كتاب الطلاق: ويذكر عن علي بن أبي طالب وابن المسيب، وذكر نحوا من ثلاثة وعشرين تابعيا، كذا قال. وفيها ما هو صحيح عنده وفيها ما هو ضعيف أيضا.

ثم استدل على الثاني بأن البخاري قال في كتاب التوحيد في باب (وكان عرشه على الماء) إثر حديث أبي سعيد: "الناس يصعقون يوم القيامة فإذا أنا بموسى" قال: وقال الماجشون، عن عبد الله بن الفضل [ ص: 267 ] عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: "فأكون أول من بعث".

قال: ورد البخاري بنفسه على نفسه، فذكر في "أحاديث الأنبياء" حديث الماجشون هذا عن عبد الله بن الفضل، عن الأعرج، عن أبي هريرة. وكذا رواه مسلم والنسائي، ثم قال: قال أبو مسعود: إنما يعرف عن الماجشون، عن أبي الفضل، عن الأعرج. انتهى ما اعترض به عليه.

والجواب أن ابن الصلاح لم يقل: إن صيغة التمريض لا تستعمل إلا في الضعيف، بل في كلامه أنها تستعمل في الصحيح أيضا، ألا ترى قوله: (لأن مثل هذه العبارات تستعمل في الحديث الضعيف أيضا) فقوله: (أيضا) دال على أنها تستعمل في الصحيح أيضا، فاستعمال البخاري لها في موضع الصحيح ليس [ ص: 268 ] مخالفا لكلام ابن الصلاح، وإنما ذكر المصنف أنا إذا وجدنا عنده حديثا مذكورا بصيغة التمريض ولم يذكره في موضع آخر من كتابه مسندا أو تعليقا مجزوما به لم يحكم عليه بالصحة، وهو كلام صحيح.

ونحن لم نحكم على الأمثلة التي اعترض بها المعترض إلا بوجودها في كتابه مسندة، فلو لم نجدها في كتابه إلا في مواضع التمريض لم نحكم بصحتها.

[ ص: 269 ] على أن هذه الأمثلة الثلاثة التي اعترض بها يمكن الجواب عنها كما ستراه. والبخاري - رحمه الله - حيث علق ما هو صحيح إنما يأتي به بصيغة الجزم، وقد يأتي به بغير صيغة الجزم لغرض آخر غير الضعف، وهو إذا اختصر الحديث أو أتى به بالمعنى عبر بصيغة التمريض لوجود الخلاف المشهور في جواز الرواية بالمعنى، والخلاف أيضا في جواز اختصار [ ص: 270 ] الحديث. وإن رأيت أن يتضح لك ذلك فقابل بين موضع التعليق وموضع الإسناد تجد ذلك واضحا.

فأما المثال الأول فقال البخاري في (باب ذكر العشاء والعتمة) ويذكر عن أبي موسى: كنا نتناوب النبي صلى الله عليه وسلم عند صلاة العشاء فأعتم بها. ثم قال في باب فضل العشاء: حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا أبو أسامة، عن يزيد، عن [ ص: 271 ] أبي بردة، عن أبي موسى قال: كنت أنا وأصحابي الذين قدموا معي في السفينة نزولا في بقيع بطحان، والنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فكان يتناوب النبي صلى الله عليه وسلم عند صلاة العشاء كل ليلة نفر منهم، فواقفنا النبي صلى الله عليه وسلم وله بعض الشغل في بعض أمره، فأعتم بالصلاة حتى ابهار الليل. الحديث.

فانظر كيف اختصره هناك وذكره بالمعنى؛ فلهذا عدل عن الجزم؛ لوجود الخلاف في جواز ذلك. والله أعلم.

وأما المثال الثاني: فقال البخاري في الطب (باب الرقى بفاتحة الكتاب) ويذكر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال بعده: (باب الشروط في الرقية بقطيع من الغنم): ثنا سيدان بن مضارب أبو محمد الباهلي قال: ثنا أبو معشر يوسف بن يزيد البراء، حدثني عبد الله بن الأخنس أبو مالك، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ أو سليم [ ص: 272 ] فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال: هل فيكم من راق؟ فإن في الماء رجلا لديغا أو سليما، فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء، فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرهوا ذلك، فقالوا: أخذت على كتاب الله أجرا؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله. انتهى.

وإنما لم يأت به البخاري في الموضع الأول مجزوما به؛ لقوله فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، والرقية بفاتحة الكتاب ليست في الحديث المتصل من قول النبي صلى الله عليه وسلم ولا من فعله، وإنما ذلك من تقريره على الرقية بها، وتقريره أحد وجوه السنن، ولكن عزوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم من باب الرواية بالمعنى.

والذي يدلك على أن البخاري إنما لم يجزم به؛ لما ذكرناه أنه علقه في موضع آخر بلفظه فجزم به، فقال في كتاب الإجازة: (باب ما يعطى في الرقية بفاتحة الكتاب) وقال ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله" على أنه يجوز أن يكون الموضع الذي ذكره البخاري بغير إسناد عن ابن عباس مرفوعا حديثا آخر في الرقية بفاتحة الكتاب غير الحديث الذي رواه [ ص: 273 ] كنحو ما وقع في حديث جابر المذكور بعده.

وأما المثال الثالث: فقوله: رد على المتصدق صدقته. هو بغير لفظ بيع العبد المدبر، بل أزيد على هذا وأقول: الظاهر أن البخاري لم يرد برد الصدقة حديث جابر المذكور في بيع المدبر، وإنما أراد - والله أعلم - حديث جابر في الرجل الذي دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فأمرهم فتصدقوا عليه، فجاء في الجمعة الثانية فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة، فقام ذلك المتصدق عليه فتصدق بأحد ثوبيه، فرده عليه النبي صلى الله عليه وسلم. وهو حديث ضعيف رواه الدارقطني، وهو الذي تأول به [ ص: 274 ] الحنفية قصة سليك الغطفاني في أمره بتحية المسجد حين دخل في حال [ ص: 275 ] الخطبة. والله أعلم.

وأما المثال الرابع: وهو قوله: ويذكر عن علي بن أبي طالب. إلى آخره - فليس عليه فيه اعتراض؛ لأنه إذا جمع بين ما صح وبين ما لم يصح أتى بصيغة التمريض؛ لأن صيغة التمريض تستعمل في الصحيح ولا تستعمل صيغة الجزم في الضعيف، وأما عكس هذا وهو الإتيان بصيغة الجزم فيما ليس بصحيح فهذا لا يجوز، ولا يظن بالبخاري رحمه الله ذلك، ولا يمكن أن يجزم بشيء إلا وهو صحيح عنده.

وقول البخاري في التوحيد: (وقال الماجشون .. إلى آخره) هو صحيح عند البخاري بهذا السند، وكونه رواه في أحاديث الأنبياء متصلا فجعل مكان أبي سلمة الأعرج، فهذا لا يدل على ضعف الطريق التي فيها أبو سلمة، ولا مانع من أن يكون عند الماجشون في هذا الحديث إسنادان، وأن شيخه عبد الله بن الفضل سمعه من شيخين من الأعرج ومن أبي سلمة، فرواه مرة عن [ ص: 276 ] هذا ومرة عن هذا، ويكون الإسناد الذي وصله به البخاري أصح من الإسناد الذي علقه به، ولا يحكم على البخاري بالوهم والغلط بقول أبي مسعود الدمشقي: إنه إنما يعرف عن الأعرج، فقد عرفه البخاري عنهما، ووصله مرة عن هذا وعلقه مرة عن هذا لأمر اقتضى ذلك، فما وصل إسناده صحيح، وما علقه وجزم به يحكم عليه أيضا بالصحة. والله أعلم.




الخدمات العلمية