الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        4289 - وحدثنا أبو أمية قال : حدثنا علي بن قادم ، قال : أخبرنا شريك ، عن أبي ربيعة ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، عن علي قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : النظرة الأولى لك ، والآخرة عليك .

                                                        قالوا : فلما حرم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم النظرة الثانية ؛ لأنها تكون باختيار الناظر ، وخالف بين حكمها وبين حكم ما قبلها ، إذا كانت بغير اختيار من الناظر ، دل ذلك على أنه ليس لأحد أن ينظر إلى وجه المرأة ، إلا أن يكون بينه وبينها من النكاح أو الحرمة ، ما لا يحرم ذلك عليه منها .

                                                        فكان من الحجة عليهم في ذلك لأهل المقالة الأولى ، أن الذي أباحه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الآثار الأول ، هو النظر للخطبة لا لغير ذلك ، فذلك نظر بسبب هو حلال .

                                                        ألا ترى أن رجلا لو نظر إلى وجه امرأة ، لا نكاح بينه وبينها ، ليشهد عليها ، وليشهد لها أن ذلك جائز .

                                                        فكذلك إذا نظر إلى وجهها ليخطبها ، كان ذلك جائزا له أيضا .

                                                        فأما المنهي عنه في حديث علي ، وجرير ، وبريدة ، رضي الله تعالى عنهم ، فذلك لغير الخطبة ، ولغير ما هو حلال ، فذلك مكروه محرم .

                                                        وقد رأيناهم لا يختلفون في نظر الرجل إلى صدر المرأة الأمة ، إذا أراد أن يبتاعها ، أن ذلك له جائز حلال ؛ لأنه إنما ينظر إلى ذلك منها ، ليبتاعها لا لغير ذلك .

                                                        ولو نظر إلى ذلك منها ، لا ليبتاعها ، ولكن لغير ذلك ، كان ذلك عليه حراما .

                                                        فكذلك نظره إلى وجه المرأة إن كان فعل ذلك لمعنى هو حلال ، فذلك غير مكروه له ، وإن كان فعله لمعنى هو عليه حرام ، فذلك مكروه له .

                                                        [ ص: 16 ] وإذا ثبت أن النظر إلى وجه المرأة ليخطبها حلال ، خرج بذلك حكمه من حكم العورة ، ولأنا رأينا ما هو عورة لا يباح لمن أراد نكاحها النظر إليها .

                                                        ألا ترى أن من أراد نكاح امرأة ، فحرام عليه النظر إلى شعرها ، وإلى صدرها ، وإلى ما هو أسفل من ذلك في بدنها ، كما يحرم ذلك منها ، على من لم يرد نكاحها .

                                                        فلما ثبت أن النظر إلى وجهها ، حلال لمن أراد نكاحها ، ثبت أنه حلال أيضا لمن لم يرد نكاحها ، إذا كان لا يقصد بنظره ذلك لمعنى هو عليه حرام .

                                                        وقد قيل في قول الله عز وجل : ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها أن ذلك المستثنى ، هو الوجه والكفان ، فقد وافق ما ذكرنا من حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذا التأويل .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية