الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وصح أن أبا حنيفة سمع الحديث من سبعة من الصحابة كما بسط في أواخر منية المفتي ، [ ص: 64 ] وأدرك بالسن نحو عشرين صحابيا كما بسط في أوائل الضياء . وقد ذكر العلامة شمس الدين محمد أبو النصر بن عرب شاه الأنصاري الحنفي في منظومته الألفية المسماة بجواهر العقائد ودرر القلائد ثمانية من الصحابة ممن روى عنهم الإمام الأعظم أبو حنيفة حيث قال :

معتقدا مذهب عظيم الشان أبي حنيفة الفتى النعمان     التابعي سابق الأئمه
بالعلم والدين سراج الأمه     جمعا من أصحاب النبي أدركا
أثرهم قد اقتفى وسلكا     طريقة واضحة المنهاج
سالمة من الضلال الداجي     وقد روى عن أنس . وجابر
وابن أبي أوفى كذا عن عامر     أعني أبا الطفيل ذا ابن واثله
وابن أنيس الفتى وواثله     عن ابن جزء قد روى الإمام
وبنت عجرد هي التمام     فرضي الله الكريم دائما
عنهم وعن كل الصحاب العظما

[ ص: 65 - 66 ] وتوفي ببغداد قيل في السجن ليلي القضاء وله سبعون سنة بتاريخ خمسين ومائة ، قيل ويوم توفي ولد الإمام الشافعي رضي الله عنه فعد من مناقبه . وقد قيل : الحكمة في مخالفة تلامذته له أنه رأى صبيا يلعب في الطين فحذره من السقوط ، [ ص: 67 ] فأجابه بأن : احذر أنت السقوط ، فإن في سقوط العالم سقوط العالم ، فحينئذ قال لأصحابه : إن توجه لكم دليل فقولوا به ، فكان كل يأخذ برواية عنه ويرجحها ، وهذا من غاية احتياطه وورعه

- -

التالي السابق


( قوله : وصح إلخ ) قال بعض متأخري المحدثين ممن صنف في مناقب الإمام كتابا حافلا ما حاصله : إن أصحابه الأكابر كأبي يوسف ومحمد بن الحسن وابن المبارك وعبد الرزاق وغيرهم لم ينقلوا عنه شيئا من ذلك ، ولو كان لنقلوه ، فإنه مما يتنافس فيه المحدثون ويعظم افتخارهم ، وبان كل سند فيه أنه سمع من صحابي لا يخلو من كذاب ، فأما رؤيته لأنس وإدراكه لجماعة من الصحابة بالسن فصحيحان لا شك فيهما ، وما وقع للعيني أنه أثبت سماعه لجماعة من الصحابة رده عليه صاحبه الشيخ الحافظ قاسم الحنفي . [ ص: 64 ] مطلب فيما اختلف فيه من رواية الإمام عن بعض الصحابة

والظاهر أن سبب عدم سماعه ممن أدركه من الصحابة أنه أول أمره اشتغل بالاكتساب حتى أرشده الشعبي لما رأى من باهر نجابته إلى الاشتغال بالعلم ، ولا يسع من له أدنى إلمام بعلم الحديث خلاف ما ذكرته . ا هـ . لكن يؤيد ما قاله العيني : قاعدة المحدثين أن راوي الاتصال مقدم على راوي الإرسال أو الانقطاع ; لأن معه زيادة علم ، فاحفظ ذلك فإنه مهم كذا في عقد اللآلئ والمرجان للشيخ إسماعيل العجلوني الجراحي . وعلى كل فهو من التابعين ، وممن جزم بذلك الحافظ الذهبي والحافظ العسقلاني وغيرهما قال العسقلاني : إنه أدرك جماعة من الصحابة كانوا بالكوفة بعد مولده بها سنة ثمانين ، ولم يثبت لأحد من أئمة الأمصار المعاصرين له كالأوزاعي بالشام ، والحمادين بالبصرة والثوري بالكوفة ومالك بالمدينة الشريفة والليث بن سعد بمصر .

( قوله : وأدرك بالسن ) أي وجد في زمنهم وإن لم يرهم كلهم .

( قوله : كما بسط في أوائل الضياء ) فقال : هم ابن نفيل وواثلة وعبد الله بن عامر وابن أبي أوفى وابن جزء وعتبة والمقداد وابن بسر وابن ثعلبة وسهل بن سعد ، وأنس وعبد الرحمن بن يزيد ومحمود بن لبيد ومحمود بن الربيع وأبو أمامة وأبو الطفيل فهؤلاء ثمانية عشر صحابيا ، وربما أدرك غيرهم ممن لم أظفر به ، ا هـ ملخصا . وزاد في تنوير الصحيفة : عمرو بن حريث وعمرو بن سلمة وابن عباس وسهل بن منيف ثم قال وغير هؤلاء من أماثل الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، . ا هـ . ابن عبد الرزاق .

( قوله : مذهب ) بسكون الباء لضرورة النظم وهو مضاف وعظيم مضاف إليه . ا هـ . ح .

( قوله : الفتى ) من الفتوة : وهي السخاء والقوة ط .

( قوله : سابق الأئمة ) أي الأئمة الثلاثة بالعلم : أي بالاجتهاد فيه ، وكل الأئمة المجتهدين بتدوينه : فإنه أول من دونه كما مر .

( قوله : جمعا ) مفعول أدرك المذكور بعده ، فافهم .

( قوله : من أصحاب ) بدرج الهمزة لنقل حركتها إلى النون قبلها وألف أدركا للإشباع كألف سلكا .

( قوله : إثرهم ) بكسر فسكون مع إشباع الميم : أي بعدهم ، فهو ظرف متعلق بما بعده أو بفتحتين وسكون الميم : أي خبرهم فهو مفعول اقتفى ، وطريقة مفعول سلك ، والمراد بها الحالة التي كان عليها من الاعتقاد والعلم والعمل . والمنهاج في الأصل : الطريق الواضح ، وأراد به هنا مطلق الطريق فأضاف واضحة إليه .

( قوله : الداجي ) شديد الظلمة قاموس .

( قوله : وقد روى عن أنس ) هو ابن مالك الصحابي الجليل ، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 65 ] مات بالبصرة سنة اثنتين ، وقيل ثلاث وتسعين ، ورجحه النووي وغيره ، وقد جاوز المائة . قال ابن حجر : قد صح كما قال الذهبي إنه رآه وهو صغير ، وفي رواية قال : رأيته مرارا ، وكان يخضب بالحمرة . وجاء من طرق أنه روي عنه أحاديث ثلاثة ، لكن قال أئمة المحدثين مدارها على من اتهمه الأئمة بوضع الأحاديث . ا هـ . قال بعض الفضلاء : وقد أطال العلامة طاش كبرى في سرد النقول الصحيحة في إثبات سماعه منه ، والمثبت مقدم على النافي .

( قوله : وجابر ) أي ابن عبد الله . واعترض بأنه مات سنة ( 79 ) قبل ولادة الإمام بسنة ، ومن ثم قالوا في الحديث المروي عن أبي حنيفة عن جابر رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم أمر من لم يرزق ولدا بكثرة الاستغفار والصدقة ففعل فولد له تسعة ذكور إنه حديث موضوع . ابن حجر : لكن نقل ط عن شرح الخوارزمي على مسند الإمام أن الإمام قال في سائر الأحاديث : سمعت وفي روايته عن جابر ما قال سمعت ، وإنما قال عن جابر كما هو عادة التابعين في إرسال الأحاديث . ويمكن أن يقال إنه يتمشى على القول بولادة الإمام سنة ( 70 ) أ هـ .

أقول : والحديث المذكور إن كان موجودا في مسند الإمام فغاية ما فيه أنه مرسل ، وأما الحكم عليه بالوضع فلا وجه له ; لأن الإمام حجة ثبت لا يضع ولا يروي عن وضاع .

( قوله : وابن أبي أوفى ) هو عبد الله ، آخر من مات من الصحابة بالكوفة سنة ( 86 ) ، وقيل سنة ( 87 ) ، وقيل سنة ( 88 ) سيوطي في شرح التقريب : قال ابن حجر : روى عنه الإمام هذا الحديث المتواتر { من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة } .

( قوله : أعني أبا الطفيل ) أي أقصد بعامر المذكور أبا الطفيل بن واثلة بكسر الثاء المثلثة الليثي ، وهو آخر الصحابة موتا على الإطلاق . توفي بمكة ، وقيل بالكوفة سنة مائة كما جزم به العراقي وغيره تبعا لمسلم ، وصحح الذهبي أنه سنة عشر ومائة ، وقيل سبع وعشرين .

( قوله : وابن أنيس ) هو عبد الله الجهني . أخرج بعضهم بسنده إلى الإمام أنه قال : ولدت سنة ثمانين ، وقدم عبد الله بن أنيس صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الكوفة سنة أربع وتسعين ، ورأيته وسمعت منه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { حبك الشيء يعمي ويصم } . واعترض بأن في سنده مجهولين ، وبأن ابن أنيس مات سنة ( 54 ) . وأجيب بأن هذا الاسم لخمسة من الصحابة فلعل المراد غير الجهني . ورد بأن غيره لم يدخل الكوفة .

( قوله : وواثله ) هو بالثاء المثلثة أيضا كما في القاموس ابن الأسقع بالقاف ؟ مات بالشام سنة خمس أو ثلاث وثمانين سيوطي . وروى الإمام عنه حديثين { لا تظهر الشماتة لأخيك فيعافيه الله ويبتليك } { دع ما يريبك إلى ما لا يريبك } والأول رواه الترمذي من وجه آخر وحسنه ، والثاني جاء من رواية جمع من الصحابة وصححه الأئمة ابن حجر .

( قوله : عن ابن جزء ) هو عبد الله بن الحارث بن جزء بفتح الجيم وسكون الزاي وبالهمزة الزبيدي بضم الزاي مصغرا . واعترض بأنه مات سنة ( 86 ) بمصر بسقط أبي تراب : قرية من الغربية قرب سمنود والمحلة ، وكان مقيما بها . وأما ما جاء عن أبي حنيفة من أنه حج مع أبيه سنة ( 96 ) وأنه رأى عبد الله هذا يدرس بالمسجد الحرام وسمع منه حديثا ، فرده جماعة منهم الشيخ قاسم الحنفي ، بأن سند ذلك فيه قلب وتحريف ، وفيه كذاب باتفاق ، وبأن ابن جزء مات بمصر ولأبي حنيفة ست سنين ، وبأن ابن جزء لم يدخل الكوفة في تلك المدة ابن حجر .

( قوله : وبنت عجرد ) اسمها عائشة . واعترض بأن حاصل كلام الذهبي وشيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني أن هذه لا صحبة [ ص: 66 ] لها ، وأنها لا تكاد تعرف ، وبذلك رد ما روي أن أبا حنيفة روى عنها هذا الحديث الصحيح { أكثر جند الله في الأرض الجراد ، لا آكله ولا أحرمه } ابن حجر الهيتمي ، وزاد على من ذكر هنا ممن روى عنهم الإمام فقال : ومنهم سهل بن سعد ، ووفاته سنة ( 88 ) وقيل بعدها . ومنهم السائب بن يزيد بن سعيد ، ووفاته سنة إحدى أو اثنتين أو أربع وتسعين . ومنهم عبد الله بن بسر ، ووفاته سنة ( 96 ) ومنهم محمود بن الربيع ، ووفاته سنة ( 99 ) .

( قوله : رضي الله ) الأصوب فرضي بالفاء كما في نسخة ليتم الوزن ويسلم من ادعاء دخول الخزل فيه .

( قوله : ليلي القضاء ) أي قضاء القضاة لتكون قضاة الإسلام من تحت أمره ، والطالب له هو المنصور فامتنع فحبسه ، وكان يخرج كل يوم فيضرب عشرة أسواط وينادى عليه في الأسواق ، ثم ضرب ضربا موجعا حتى سال الدم على عقبه ونودي عليه وهو كذلك ، ثم ضيق عليه تضييقا شديدا حتى في مأكله ومشربه ، فبكى وأكد الدعاء ، فتوفي بعد خمسة أيام . وروى جماعة أنه دفع إليه قدح فيه سم فامتنع وقال : لا أعين على قتل نفسي ، فصب في فيه قهرا ، قيل إن ذلك بحضرة المنصور . وصح أنه لما أحس بالموت سجد فمات وهو ساجد .

قيل والسبب في ذلك أن بعض أعدائه دس إلى المنصور أنه هو الذي أثار إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي رضي الله عنهم الخارج عليه بالبصرة ، فطلب منه القضاء مع علمه بأنه لا يقبله ليتوصل إلى قتله ا هـ ملخصا من [ الخيرات الحسان ] لابن حجر .

وذكر التميمي أن الخطيب روى بسنده أن أبا هبيرة كان عامل مروان على العراق فكلم أبا حنيفة أن يلي قضاء الكوفة فأبى فضربه مائة سوط وعشرة أسواط ثم خلى سبيله . وكان أحمد بن حنبل إذا ذكر ذلك بكى وترحم عليه ، خصوصا بعد أن ضرب هو أيضا ا هـ . فالظاهر تعدد القصة وبنو مروان قبل المنصور فإنه من بني العباس ، فقصة أبي هبيرة كانت أولا ، والله أعلم .

( قوله : وله ) أي من العمر .

( قوله : بتاريخ ) متعلق بقوله توفي ، فما قبله بيان المكان وهذا بيان الزمان . مطلب في مولد الأئمة الأربعة ووفاتهم ومدة حياتهم [ فائدة ]

قد علمت أن أبا حنيفة ولد سنة ( 80 ) ومات سنة ( 150 ) وعاش ( 70 ) سنة . وقد ولد الإمام مالك سنة ( 90 ) ومات سنة ( 179 ) وعاش ( 89 ) سنة . والشافعي ولد سنة ( 150 ) ومات سنة ( 204 ) وعاش ( 54 ) سنة . وأحمد ولد سنة ( 164 ) ومات سنة ( 241 ) وعاش ( 77 ) سنة ، وقد نظم جميع ذلك بعضهم مشيرا إليه بحروف الجمل ، لكل إمام منهم ثلاث كلمات على هذا الترتيب فقال :

تاريخ نعمان يكن سيف سطا ومالك في قطع جوف ضبطا والشافعي صين ببرند
وأحمد بسبق أمر جعد فاحسب على ترتيب نظم الشعر
ميلادهم فموتهم كالعمر

[ ص: 67 ]

( قوله : فأجابه إلخ ) لله در هذا الصبي ما أحكمه حيث علم أن سقوطه وإن تضرر به جسده وحده لكنه لا يضر في الدين فكأنه ليس بسقوط ، بخلاف سقوط العالم في طريق الحق ، فإنه إذا كان قبل بذل المجهود في نيل المقصود يلزم منه سقوط غيره ممن اتبعه أيضا ، فيعود ضررهم عليه وذلك ضرر في الدين ، على حد قوله تعالى - { فإنها لا تعمى الأبصار } - الآية : أي العمى الضار ليس عمى الأبصار وإنما عمى القلوب .

( قوله : فحينئذ إلخ ) روى الإمام أبو جعفر الشيراماذي عن شقيق البلخي أنه كان يقول : كان الإمام أبو حنيفة من أورع الناس ، وأعبد الناس ، وأكرم الناس ، وأكثرهم احتياطا في الدين ، وأبعدهم عن القول بالرأي في دين الله عز وجل ، وكان لا يضع مسألة في العلم حتى يجمع أصحابه عليها ويعقد عليها مجلسا ، فإذا اتفق أصحابه كلهم على موافقتها للشريعة قال لأبي يوسف أو غيره ضعها في الباب الفلاني . ا هـ . كذا في الميزان للإمام الشعراني قدس سره . ونقل ط عن مسند الخوارزمي أن الإمام اجتمع معه ألف من أصحابه أجلهم وأفضلهم أربعون قد بلغوا حد الاجتهاد ، فقربهم وأدناهم وقال لهم : إنى ألجمت هذا الفقه وأسرجته لكم فأعينوني ، فإن الناس قد جعلوني جسرا على النار ، فإن المنتهى لغيري ، واللعب على ظهري ، فكان إذا وقعت واقعة شاورهم وناظرهم وحاورهم وسألهم فيسمع ما عندهم من الأخبار والآثار ويقول ما عنده ويناظرهم شهرا أو أكثر حتى يستقر آخر الأقوال فيثبته أبو يوسف ، حتى أثبت الأصول على هذا المنهاج ، شورى ، لا أنه تفرد بذلك كغيره من الأئمة . ا هـ .

( قوله : إن توجه لكم دليل ) أي ظهر لكم في مسألة وجه الدليل على غير ما أقول ط .

( قوله : فقولوا به ) وكان كذلك ، فحصل المخالفة من الصاحبين في نحو ثلث المذهب ، ولكن الأكثر في الاعتماد على قول الإمام ط .

( قوله : فكان كل يأخذ برواية عنه ) أي فليس لأحد منهم قول خارج عن أقواله ; ولذا قال في الولوالجية من كتاب الجنايات قال أبو يوسف : ما قلت قولا خالفت فيه أبا حنيفة إلا قولا قد كان قاله . وروى عن زفر أنه قال : ما خالفت أبا حنيفة في شيء إلا قد قاله ثم رجع عنه ، فهذا إشارة إلى أنهم ما سلكوا طريق الخلاف ، بل قالوا ما قالوا عن اجتهاد ورأي اتباعا لما قاله أستاذهم أبو حنيفة . ا هـ .

وفي آخر الحاوي القدسي : وإذا أخذ بقول واحد منهم يعلم قطعا أنه يكون به آخذا بقول أبي حنيفة ، فإنه روى عن جميع أصحابه من الكبار كأبي يوسف ومحمد وزفر والحسن أنهم قالوا : ما قلنا في مسألة قولا إلا وهو روايتنا عن أبي حنيفة وأقسموا عليه أيمانا غلاظا فلم يتحقق إذا في الفقه جواب ولا مذهب إلا له كيفما كان ، وما نسب إلى غيره إلا بطريق المجاز للموافقة . ا هـ .

فإن قلت : إذا رجع المجتهد عن قول لم يبق قولا له ، بل صرح في قضاء البحر بأن ما خرج عن ظاهر الرواية فهو مرجوع عنه وأن المرجوع عنه ليس قولا له . ا هـ . وفيه عن التوشيح أن ما رجع عنه المجتهد لا يجوز الأخذ به ، فإذا كان كذلك فما قاله أصحابه مخالفين له فيه ليس مذهبه ، فحينئذ صارت أقوالهم مذاهب لهم ، مع أنا التزمنا تقليد مذهبه دون مذهب غيره ، ولذا نقول إن مذهبنا حنفي لا يوسفي ونحوه . مطلب صح عن الإمام أنه قال : إذا صح الحديث فهو مذهبي

قلت : قد يجاب بأن الإمام لما أمر أصحابه بأن يأخذوا من أقواله بما يتجه لهم منها عليه الدليل صار ما قالوه قولا له لابتنائه على قواعده التي أسسها لهم ، فلم يكن مرجوعا عنه من كل وجه ، فيكون من مذهبه أيضا ، ونظير هذا ما نقله العلامة بيري في أول شرحه على الأشباه عن شرح الهداية لابن الشحنة ، ونصه : إذا صح [ ص: 68 ] الحديث وكان على خلاف المذهب عمل بالحديث ، ويكون ذلك مذهبه ولا يخرج مقلده عن كونه حنفيا بالعمل به ، فقد صح عنه أنه قال : إذا صح الحديث فهو مذهبي . وقد حكى ذلك ابن عبد البر عن أبي حنيفة وغيره من الأئمة . ا هـ . ونقله أيضا الإمام الشعراني عن الأئمة الأربعة .

ولا يخفى أن ذلك لمن كان أهلا للنظر في النصوص ومعرفة محكمها من منسوخها ، فإذا نظر أهل المذهب في الدليل وعملوا به صح نسبته إلى المذهب لكونه صادرا بإذن صاحب المذهب ، إذ لا شك أنه لو علم ضعف دليله رجع عنه واتبع الدليل الأقوى ; ولذا رد المحقق ابن الهمام على بعض المشايخ حيث أفتوا بقول الإمامين بأنه لا يعدل عن قول الإمام إلا لضعف دليله




الخدمات العلمية