الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

ولما كان في مرجعه من تبوك ، أخذت خيله أكيدر دومة ، فصالحه [ ص: 141 ] على الجزية وحقن له دمه " .

( وصالح أهل نجران من النصارى على ألفي حلة . النصف في صفر ، والبقية في رجب يؤدونها إلى المسلمين ، وعارية ثلاثين درعا ، وثلاثين فرسا ، وثلاثين بعيرا ، وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح ، يغزون بها ، والمسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم إن كان باليمن كيد أو غدرة ، على ألا تهدم لهم بيعة ، ولا يخرج لهم قس ، ولا يفتنوا عن دينهم ما لم يحدثوا حدثا أو يأكلوا الربا ) .

وفي هذا دليل على انتقاض عهد الذمة بإحداث الحدث ، وأكل الربا إذا كان مشروطا عليهم .

ولما وجه معاذا إلى اليمن ، ( أمره أن يأخذ من كل محتلم دينارا أو قيمته من المعافري ، وهي ثياب تكون باليمن ) .

وفي هذا دليل على أن الجزية غير مقدرة الجنس ، ولا القدر ، بل يجوز أن تكون ثيابا وذهبا وحللا ، ، وتزيد وتنقص بحسب حاجة المسلمين ، واحتمال من تؤخذ منه ، وحاله في الميسرة ، وما عنده من المال .

[ ص: 142 ] ولم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا خلفاؤه في الجزية بين العرب والعجم ، بل أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم من نصارى العرب ، وأخذها من مجوس هجر ، وكانوا عربا ، فإن العرب أمة ليس لها في الأصل كتاب ، وكانت كل طائفة منهم تدين بدين من جاورها من الأمم ، فكانت عرب البحرين مجوسا لمجاورتها فارس ، وتنوخ ، وبهرة ، وبنو تغلب نصارى لمجاورتهم للروم ، وكانت قبائل من اليمن يهود لمجاورتهم ليهود اليمن ، فأجرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحكام الجزية ، ولم يعتبر آباءهم ، ولا متى دخلوا في دين أهل الكتاب : هل كان دخولهم قبل النسخ والتبديل ، أو بعده ، ومن أين يعرفون ذلك وكيف ينضبط وما الذي دل عليه ؟ وقد ثبت في السير والمغازي ، أن من الأنصار من تهود أبناؤهم بعد النسخ بشريعة عيسى ، وأراد آباؤهم إكراههم على الإسلام ، فأنزل الله تعالى : ( لا إكراه في الدين ) [ البقرة : 256 ] وفي قوله لمعاذ : ( خذ من كل حالم دينارا ) دليل على أنها لا تؤخذ من صبي ولا امرأة .

فإن قيل : فكيف تصنعون بالحديث الذي رواه عبد الرزاق في " مصنفه " وأبو عبيد في " الأموال " أن النبي صلى الله عليه وسلم ( أمر معاذ بن جبل : أن يأخذ من اليمن الجزية من كل حالم أو حالمة ) زاد أبو عبيد : عبدا أو أمة ، دينارا أو قيمته من المعافري " فهذا فيه أخذها من الرجل والمرأة ، والحر والرقيق ؟ قيل : [ ص: 143 ] هذا لا يصح وصله ، وهو منقطع ، وهذه الزيادة مختلف فيها ، لم يذكرها سائر الرواة ، ولعلها من تفسير بعض الرواة . وقد روى الإمام أحمد ، وأبو داود والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، وغيرهم هذا الحديث ، فاقتصروا على قوله أمره " أن يأخذ من حالم دينارا " ، ولم يذكروا هذه الزيادة وأكثر من أخذ منهم النبي صلى الله عليه وسلم الجزية العرب من النصارى ، واليهود ، والمجوس ، ولم يكشف عن أحد منهم متى دخل في دينه ، وكان يعتبرهم بأديانهم لا بآبائهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية