الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 442 ] كتاب الطلاق

- والكلام في هذا الباب ينحصر في أربع جمل :

الجملة الأولى : في أنواع الطلاق .

الجملة الثانية : في أركان الطلاق .

الجملة الثالثة : في الرجعة .

الجملة الرابعة : في أحكام المطلقات .

الجملة الأولى

[ في أنواع الطلاق ]

وفي هذه الجملة خمسة أبواب :

- الباب الأول : في معرفة الطلاق البائن والرجعي .

الباب الثاني : في معرفة الطلاق السني من البدعي .

الباب الثالث : في الخلع .

الباب الرابع : في تمييز الطلاق من الفسخ .

الباب الخامس : في التخيير والتمليك .

الباب الأول

في معرفة الطلاق البائن والرجعي

- واتفقوا على أن الطلاق نوعان : بائن ، ورجعي . وأن الرجعي هو الذي يملك فيه الزوج رجعتها من غير اختيارها ، وأن من شرطه أن يكون في مدخول بها ، وإنما اتفقوا على هذا لقوله تعالى : ( ياأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة ) إلى قوله تعالى : ( لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ) . وللحديث الثابت أيضا من حديث ابن عمر : " أنه صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجع زوجته لما طلقها حائضا " . ولا خلاف في هذا .

وأما الطلاق البائن : فإنهم اتفقوا على أن البينونة إنما توجد للطلاق من قبل عدم الدخول ، ومن قبل عدد التطليقات ، ومن قبل العوض في الخلع ، على اختلاف بينهم هل الخلع طلاق أو فسخ على ما سيأتي بعد .

واتفقوا على أن العدد الذي يوجب البينونة في طلاق الحر ثلاث تطليقات إذا وقعت مفترقات لقوله تعالى : ( الطلاق مرتان ) الآية . واختلفوا إذا وقعت ثلاثا في اللفظ دون الفعل .

وكذلك اتفق الجمهور على أن الرق مؤثر في إسقاط أعداد الطلاق ، وأن الذي يوجب البينونة في الرق اثنتان . واختلفوا هل هذا معتبر برق الزوج ، أو برق الزوجة ، أم برق من رق منهما . ففي هذا الباب إذن ثلاث مسائل :

[ ص: 443 ] المسألة الأولى

[ حكم الطلاق ثلاثا دفعة واحدة ]

جمهور فقهاء الأمصار على أن الطلاق بلفظ الثلاث حكمه حكم الطلقة الثالثة .

وقال أهل الظاهر وجماعة : حكمه حكم الواحدة ، ولا تأثير للفظ في ذلك . وحجة هؤلاء ظاهر قوله تعالى : ( الطلاق مرتان ) إلى قوله في الثالثة : ( فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ) والمطلق بلفظ الثلاث مطلق واحدة لا مطلق ثلاث . واحتجوا أيضا بما خرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس قال : " كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فأمضاه عليهم عمر " . واحتجوا أيضا بما رواه ابن إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس قال : " طلق ركانة زوجه ثلاثا في مجلس واحد ، فحزن عليها حزنا شديدا ، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف طلقتها ؟ قال : طلقتها ثلاثا في مجلس واحد ، قال : إنما تلك طلقة واحدة فارتجعها " .

وقد احتج من انتصر لقول الجمهور بأن حديث ابن عباس الواقع في الصحيحين إنما رواه عنه من أصحابه طاوس ، وأن جلة أصحابه رووا عنه لزوم الثلاث ، منهم سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعطاء ، وعمرو بن دينار وجماعة غيرهم ، وأن حديث ابن إسحاق وهم ، وإنما روى الثقات أنه طلق ركانة زوجه البتة لا ثلاثا .

وسبب الخلاف : هل الحكم الذي جعله الشرع من البينونة للطلقة الثالثة يقع بإلزام المكلف نفسه هذا الحكم في طلقة واحدة ، أم ليس يقع ولا يلزم من ذلك إلا ما ألزم الشرع ؟ .

فمن شبه الطلاق بالأفعال التي يشترط في صحة وقوعها كون الشروط الشرعية فيها كالنكاح والبيوع قال : لا يلزم . ومن شبهه بالنذور والأيمان التي ما التزم العبد منها لزمه على أي صفة كان ; ألزم الطلاق كيفما ألزمه المطلق نفسه .

وكأن الجمهور غلبوا حكم التغليظ في الطلاق سدا للذريعة ، ولكن تبطل بذلك الرخصة الشرعية والرفق المقصود في ذلك ( أعني : في قوله تعالى : ( لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية