الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                البحث الثالث : في ترتيب الأولياء .

                                                                                                                قاعدة : إنما يقدم الشرع في كل ولاية من هو أقوم بمصالحها ، فللقضاء : العارف بالفقه وأحوال الخصوم والبينات ، وللحروب : من هو أعلم بمكائدها وسياسة جيوشها ، ولا يقدم هذا للقضاء ، ولا الأول للحروب ، وكذلك سائر الولايات ، ورب كامل في ولاية ناقص في أخرى كالنساء ناقصات في الحروب كاملات في الحضانة لمزيد شفقتهن وصبرهن فيقدمن على الرجال ، فكذلك هاهنا إذا اجتمع الأولياء يقدم من وصفه أقرب لحسن النظر في الولية ، قال اللخمي : النسب مقدم على غيره ، وأولى النسب الابن ، ثم ابن الابن ، ثم الأب ، ثم الأخ ، ثم ابن الأخ ، وإن سفل ، ثم الجد ، ثم العم ، ثم ابن العم ، وإن سفل .

                                                                                                                وأسباب التقدم هاهنا هي أسباب التقدم في المواريث ، وسوى في الكتاب بين الأخ الشقيق للأب نظرا إلى أن المعتبر إنما هو جهة الأب ، والأمومة والإدلاء بها ساقط في ولاية النكاح ، وقد قدم الشقيق في كتاب ابن حبيب ، وجعل [ ص: 247 ] الأمومة مرجحة كالميراث ، والجواب في أبنائهما ، وفي العمين أحدهما شقيق والآخر للأب ، وفي أبنائهما كما تقدم ، وإذا لم تكن عمومة فالرجل من العصبة ، ثم من البطن ، ثم من العشيرة ، ثم المولى الأعلى ، ثم الأسفل ، ثم ولاية الإسلام ، قال أبو الطاهر : المشهور تقديم الابن في الثيب على غيره ، وقيل : يقدم الولي عليه . وفي الجواهر : روي عن مالك : الأب ثم الابن نظرا إلى مزيد الشفقة ، وقاله ابن حنبل ، ووافقنا في بقية الترتيب ، وقدم المغيرة : الجد وأباه على الأخ وابنه ، كالميراث ، وقاله ( ش ) ، وبقية الترتيب عنده كمذهبنا إلا الابن فإنه عنده لا ولاية له ألبتة .

                                                                                                                تمهيد : قدم الأخ على الجد في ثلاثة أبواب : النكاح ، والصلاة على الجنازة ، وميراث الولاء بخلاف ميراث النسب . وسببه أن الجد يدلي بالأبوة فيقول : أنا أبو أبيه ، والأخ يدلي بالبنوة فيقول : أنا ابن أبيه ، والبنوة مقدمة على الأبوة ، يحجب الابن الأب عن جملة المال إلى السدس فهذه العمدة في الأبواب الثلاثة ، وأما الميراث فلأن الجد يسقط فيه الإخوة للأم ، ولا يقدر الأخ على ذلك ، ويرث مع الابن بخلافه فيقدم عليه لذلك ، وهذان منفيان في الولاء ; لأنه تعصيب محض فلا مدخل فيه لإخوة الأم حتى يثبت الترجيح بحجتهم ، ولا مدخل فيه للفروض فيسقط السدس الذي يرثه مع الابن فيبقى نصف البنوة سالما عن المعارض فيقدم الأخ .

                                                                                                                قال العبدي : والجد أقوى من الأخ في ثلاث مسائل : لا يقطع في السرقة كالأب ، ولا يحد في الزنا بجارية ولد ولده ، وتغلظ الدية عليه في قتل العمد بخلاف الأخ في الثلاثة ، واختلف هل يكون الجد كالأب في الاعتصار ؟ منعه في الكتاب ، ويحبس في الدين بخلاف الأب ، ولا تجب [ ص: 248 ] النفقة له ، وهو مثل الأخ في العفو عن القصاص ، وفي الجواهر : إذا مات المعتق فعصابته ، ثم معتقه ، ثم عصابة معتقه يترتبون كعصبة القرابة .

                                                                                                                قال اللخمي : إذا كان ولي النسب بعيدا جدا فالمذهب تقديمه على السلطان ، وقال عبد الملك : السلطان أولى من الرجل من البطن ، ويستحب للمرأة إذا لم يكن لها ولي أن توكل عدلا ، فإن استوى أولياؤها في الدرجة ففي الكتاب : ينظر السلطان ، وقال ابن حبيب : بل أفضلهم ، فإن استووا فأسبقهم ، فإن استووا عقد الجميع ( العقد ، قال اللخمي : ولو لجميعهم ، وإن كان فيهم أفضل كان حسنا ; لأن نظر المفضول إلى الفاضل لا يضر ) .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية