الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في معرفة الجنسية

                                                                                                                                                                        قد سبق في أول الباب ، أن بيع الربوي بجنسه ، يشترط فيه المماثلة . وبغير جنسه ، يجوز فيه التفاضل . والتجانس وعدمه ، قد يظهران ، وقد يشتبهان ، فما ظهر ، فلا حاجة إلى تنصيص عليه ، وما اشتبه ، يحتاج . فمن ذلك ، لحوم الحيوانات ، هل هي جنس ، أم أجناس ؟ قولان . أظهرهما : أنهما أجناس . فإن قلنا : جنس ، فالحيوانات البرية وحشيها وأهليها كلها جنس ، وكذا البحرية كلها جنس . وفي البحرية مع البرية ، وجهان . أصحهما : جنس . والثاني : جنسان . وإن قلنا : أجناس ، فحيوان البر مع البحر جنسان ، والأهلي مع الوحشي جنسان . ثم لكل واحد منهما أجناس ، فلحوم الإبل على اختلاف أنواعها جنس واحد ، ولحوم البقر جواميسها وغيرها جنس ، والغنم ضأنها ومعزها جنس ، والبقر الوحشي جنس ، والظباء جنس . وفي الظبي مع الإبل تردد للشيخ أبي محمد ، واستقر جوابه أنهما كالضأن والمعز . وأما الطيور ، فالعصافير على اختلاف أنواعها جنس ، والبطوط جنس . وعن الربيع : أن الحمام بالمعنى المتقدم في الحج ، وهو كل ما عب وهدر ، جنس . فيدخل فيه القمري ، والدبسي ، والفواخت . واختار هذا جماعة ، منهم الإمام ، وصاحب " التهذيب " ، واستبعده العراقيون ، وجعلوا كل واحد منها جنسا . وسموك البحر جنس . وأما غنم الماء وبقره وغيرهما ، ففيها - مع السمك - أو مع مثلها ، قولان . أظهرهما : أنها أجناس . وفي الجراد أوجه :

                                                                                                                                                                        أحدها : أنه ليس من جنس اللحوم . والثاني : أنه من لحوم البريات . والثالث : أنه من لحوم البحريات .

                                                                                                                                                                        [ ص: 395 ] قلت : أصحهما : الأول . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وأما أعضاء الحيوان الواحد ، كالكرش ، والكبد ، والطحال ، والقلب ، والرئة ، فالمذهب : أنها أجناس . والمخ ، جنس آخر ، وكذا الجلد .

                                                                                                                                                                        قلت : المعروف ، أن الجلد ليس ربويا ، فيجوز بيع جلد بجلود وبغيرها ، فلا حاجة إلى قوله : إنه جنس آخر . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وشحم الظهر مع شحم البطن ، جنسان . وسنام البعير معهما ، جنس آخر . والرأس ، والأكارع ، من جنس اللحوم . وفي الأكارع احتمال للإمام . وأما الأدقة والخلول والأدهان ، فهي أجناس على المذهب . وكذا عصير العنب مع عصير الرطب . وحكي في الأدقة قول أنها جنس ، ووجه أبعد منه في الخلول والأدهان ، ويجري مثله في عصير العنب مع عصير الرطب . والألبان أجناس على المذهب ، فيجوز بيع لبن البقر بلبن الغنم متفاضلا ، وبيع أحدهما بما يتخذ من الآخر . ولبن الضأن والمعز جنس ، ولبن الوعل مع المعز الأهلي جنسان . وبيوض الطير أجناس على المذهب . وقيل : وجهان . أصحهما : أنها أجناس . وزيت الزيتون مع زيت الفجل ، والتمر المعروف مع التمر الهندي ، أجناس على المذهب . وفي البطيخ المعروف مع الهندي ، والقثاء مع الخيار ، وجهان .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح : أنهما جنسان . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        والبقول ، كالهندباء والنعنع وغيرهما ، أجناس إن قلنا : إنها ربوية . ودهن السمسم وكسبه ، جنسان ، كالمخيض مع السمن . وفي عصير العنب مع خله ، والسكر مع الفانيذ ، وجهان . أصحهما : جنسان . والسكر الطبرزد والنبات ، جنس واحد . والسكر الأحمر مع الأبيض ، جنس على الأصح ؛ لأنه عكر الأبيض ، إلا أن صفتهما مختلفة .

                                                                                                                                                                        [ ص: 396 ] فرع :

                                                                                                                                                                        بيع اللحم بالحيوان المأكول من جنسه باطل ، خلافا للمزني . وإن باعه بحيوان مأكول من غير جنسه كلحم غنم ببقرة ، فإن قلنا : اللحوم جنس ، بطل . وإن قلنا : أجناس ، بطل أيضا على الأظهر . وإن باعه بحيوان غير مأكول ، بطل على الأظهر . وفي بيع الشحم والألية والطحال والقلب والكلية والرئة بالحيوان ، والسنام بالبعير ، ولحم السمك بالشاة ، وجهان . أصحهما : البطلان . ويجري الوجهان في بيع الجلد بالحيوان إن لم يكن مدبوغا . فإن دبغ فلا منع .

                                                                                                                                                                        فرع :

                                                                                                                                                                        لا يجوز بيع دهن السمسم ولا كسبه بالسمسم ، ولا دهن الجوز بلبه ، ولا بيع السمن باللبن . ويجوز بيع الجوز بالجوز وزنا ، واللوز باللوز كيلا مع قشرهما على المذهب . وحكي قول : أنه لا يجوز ، ويجوز بيع لب الجوز بلبه ، ولب اللوز بلبه على الصحيح . ويجوز بيع البيض بالبيض في قشره وزنا ، على المذهب . ويجوز بيع لبن الشاة بشاة ليس في ضرعها لبن ، بأن جرى البيع عقيب الحلب ، فإن كان في ضرعها لبن ، لم يجز . ولو باع شاة في ضرعها لبن بشاة في ضرعها لبن ، لم يصح على الصحيح . وبيع بيض بدجاجة كبيع لبن بشاة . ولو باع لبن شاة ببقرة في ضرعها لبن ، فإن قلنا : الألبان جنس ، لم يجز ، وإلا ، فقولان ، للجمع بين مختلفي الحكم ، فإن ما يقابل اللبن من اللبن ، يشترط فيه التقابض ، وما يقابل الحيوان ، لا يشترط .

                                                                                                                                                                        [ ص: 397 ] فرع :

                                                                                                                                                                        يجري الربا في دار الحرب جريانه في دار الإسلام ، سواء فيه المسلم ، والكافر .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية