الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      3448 حدثنا محمد بن يحيى بن فياض حدثنا أبي ح و حدثنا ابن المثنى حدثنا يحيى بن الفياض حدثنا همام عن قتادة قال ليس في التمر حكرة قال ابن المثنى قال عن الحسن فقلنا له لا تقل عن الحسن قال أبو داود هذا الحديث عندنا باطل قال أبو داود كان سعيد بن المسيب يحتكر النوى والخبط والبزر و سمعت أحمد بن يونس يقول سألت سفيان عن كبس القت فقال كانوا يكرهون الحكرة وسألت أبا بكر بن عياش فقال اكبسه

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( ابن المثنى ) هو محمد ( أخبرنا يحيى بن الفياض ) الزماني لين الحديث ( أخبرنا همام ) بن يحيى بن دينار ( قال ابن المثنى ) في روايته ( قال ) أي يحيى بن فياض ( عن الحسن ) أي قال يحيى حدثنا همام عن قتادة عن الحسن أنه قال : ليس في التمر حكرة ( فقلنا ) هذه مقولة محمد بن المثنى ( له ) أي ليحيى ( لا تقل عن الحسن ) فإن هذه المقولة ليست من الحسن البصري وما قالها ( قال أبو داود هذا الحديث ) الذي من طريق يحيى بن الفياض سواء كان القول لقتادة أو الحسن ( عندنا باطل ) لجهة إسناده . قال الذهبي في الميزان : يحيى بن الفياض الزماني عن همام بن يحيى قال أبو داود عقب حديثه له : هذا باطل . انتهى ( النوى ) بفتحتين من التمر والعنب أي كل ما كان في جوف مأكول كالتمر والزبيب والعنب وما أشبهه ، ويقال بالفارسية " خسته خرما وانكور " ( والخبط ) بالتحريك أي الورق الساقط والمراد به علف الدواب ( والبزر ) بالكسر واحدة بزرة كل حب يبذر للنبات . كذا في بعض اللغة . وفي المصباح : البزر بزر البقل ونحوه بالكسر والفتح لغة ، ولا تقوله الفصحاء إلا بالكسر ( عن كبس القت ) الكبس بفتح الكاف وسكون الموحدة ، والقت بفتح القاف وتشديد التاء الفوقية وهو اليابس من القضب ؛ أي عن إخفاء القت وإدخاله في البيت أي عن حبسه .

                                                                      قلت : وأخرج أحمد في مسنده عن معقل بن يسار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم [ ص: 248 ] القيامة وأخرج أحمد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من احتكر حكرة يريد أن يغلي بها على المسلمين فهو خاطئ .

                                                                      وعند ابن ماجه عن عمر ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس قال الشوكاني : وظاهر الأحاديث يدل على أن الاحتكار محرم من غير فرق بين قوت الآدمي والدواب وبين غيره . وقالت الشافعية : إن المحرم إنما هو احتكار الأقوات خاصة لا غيرها ولا مقدار الكفاية منها .

                                                                      قال ابن رسلان في شرح السنن : ولا خلاف في أن ما يدخره الإنسان من قوت وما يحتاجون إليه من سمن وعسل وغير ذلك جائز لا بأس به انتهى . ويدل على ذلك ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي كل واحدة من زوجاته مائة وسق من خيبر .

                                                                      قال ابن رسلان : وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخر لأهله قوت سنتهم من تمر وغيره . قال ابن عبد البر وغيره : إنما كان سعيد ومعمر يحتكران الزيت وحملا الحديث على احتكار القوت عند الحاجة إليه ، وكذلك حمله الشافعي وأبو حنيفة وآخرون . ويدل على اعتبار الحاجة وقصد إغلاء السعر على المسلمين قوله في حديث معقل من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم وقوله في حديث أبي هريرة يريد أن يغلي بها على المسلمين .

                                                                      وقال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل يسأل عن أي شيء الاحتكار ؟ فقال : إذا كان من قوت الناس فهو الذي يكره ، وهذا قول ابن عمر .

                                                                      قال السبكي : الذي ينبغي أن يقال في ذلك : إنه إن منع غيره من الشراء وحصل به ضيق حرم وإن كانت الأسعار رخيصة وكان القدر الذي يشتريه لا حاجة بالناس إليه فليس لمنعه من شرائه وادخاره إلى وقت حاجة الناس إليه معنى .

                                                                      وأما إمساكه حالة استغناء أهل البلد عنه رغبة في أن يبيعه إليهم وقت حاجتهم إليه فينبغي أن لا يكره بل يستحب .

                                                                      والحاصل أن العلة إذا كانت هي الإضرار بالمسلمين لم يحرم الاحتكار إلا على وجه يضر بهم ، ويستوي في ذلك القوت وغيره لأنهم يتضررون بالجميع والله أعلم .




                                                                      الخدمات العلمية