الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأومأ عاجز إلا عن القيام ، [ ص: 276 ] ومع الجلوس أومأ للسجود منه ، وهل يجب فيه الوسع ويجزئ إن سجد على أنفه ؟ تأويلان ، وهل يومئ بيديه [ ص: 277 ] أو يضعهما على الأرض ، وهو المختار : كحسر عمامته بسجود ؟ تأويلان ، وإن قدر على الكل ، وإن سجد لا ينهض ، أتم ركعة ثم جلس [ ص: 278 ] وإن خف معذور انتقل للأعلى ، وإن عجز عن فاتحة قائما جلس ، وإن لم يقدر إلا على نية ، [ ص: 279 ] أو مع إيماء بطرف ، فقال وغيره لا نص ، ومقتضى المذهب الوجوب

التالي السابق


( وأومأ ) بالهمز أي أشار للركوع والسجود والجلوس بين السجدتين وللتشهد وللسلام شخص ( عاجز ) عن كل شيء من أفعال الصلاة ( إلا عن القيام ) فهو قادر عليه فيقوم ويومئ [ ص: 276 ] لها منه ( و ) إن قدر عليه ( مع الجلوس ) وعجز عن الركوع والسجود أومأ للركوع من قيام و ( أومأ للسجود منه ) أي الجلوس فيجلس ويومئ للسجدتين من الجلوس ، قاله اللخمي ويحتمل أن الضمير للقيام أي يومئ للسجدة الأولى من قيام كما ينحط القادر لها منه ، وعزاه ابن بشير للأشياخ ومن لم يقدر إلا على الجلوس أومأ لهما منه . ( وهل يجب ) على العاجز عن الركوع أو السجود المومي لهما من قيام أو من جلوس أو للركوع من قيام والسجود من جلوس ( فيه ) أي الإيماء لهما أو لأحدهما صلة يجب وفاعله ( الوسع ) بضم الواو وسكون السين أي الانحطاط إلى نهاية طاقته فإن نقصه عنها عمدا أو جهلا بطلت صلاته فيساوي إيماؤه للركوع إيماءه للسجود ويتميزان بالنية أو لا يجب فيه الوسع ويجزئ ما يعد إيماؤه في القدرة على أزيد منه فيجب أن ينحط للسجود أزيد من انحطاطه للركوع كما أخذه اللخمي والمازري من قولها ، ويومئ للسجود أخفض من الركوع . ا هـ .

والسجود على الأنف خارج عن حقيقة الإيماء فلا يدخل في قوله وهل يجب فيه الوسع بدليل قوله ( و ) هل ( يجزئ ) من فرضه الإيماء كمن بجبهته قروح لا يستطيع السجود عليها السجود على أنفه ( إن سجد على أنفه ) وخالف فرضه وهو الإيماء لأنه ليس له حد ينتهي إليه قاله ابن يونس ، أو لا يجزئ لأنه لم يأت بالأصل ولا ببدله في كل من المسألتين ( تأويلان ) ذكر البناني أن الذي في المسألة الأولى قولان للخمي ، لا تأويلان على المدونة فالقول الأول أخذه من رواية ابن شعبان من رفع ما يسجد عليه إذا أومأ جهده صحت صلاته وإلا فسدت ، والقول الثاني أخذه من قولها يومئ القائم للسجود أخفض من إيمائه للركوع فالأولى في المسألة الأولى تردد . ( وهل ) العاجز عن السجود الذي يومئ له من قيام لعجزه عن الجلوس أيضا أو من جلوس لقدرته عليه وعجز عن وضع يديه على الأرض ( يومئ ) وجوبا ( بيديه ) إلى الأرض مع إيمائه [ ص: 277 ] برأسه وظهره إليها ( أو ) إن أومأ له من جلوس وقدر على وضع يديه على الأرض ( يضعهما ) أي اليدين ( على الأرض ) بالفعل والواو أظهر من أو فهذا تأويل واحد ، والثاني محذوف تقديره أو لا يومئ بهما إليها إن أومأ له من قيام أو جلوس ، عجز معه عن وضع يديه عليها . ولا يضعهما عليها إن أومأ له من جلوس قدر معه على وضع يديه عليها ( وهو ) أي التأويل المذكور بحالتيه ( المختار ) للخمي من خلاف شارحي المدونة في فهمها دون ما حذفه بحالتيه .

وشبه في الوجوب فقال ( كحسر ) أي رفع ( عمامته ) عن جبهته حال إيمائه بها إلى الأرض ( بسجود ) فإن تركه بطلت صلاته ، إلا أن يكون الذي على جبهته شيئا خفيفا من عمامته تنازع فيه يومئ ويضع وحسر . وقوله فيه ( تأويلان ) راجع لما قبل الكاف وحقه تردد لأنهما قولان للمتأخرين في المصلي جالسا هل يضع يديه على الأرض إن قدر عليه ، ويومئ بهما إن لم يقدر وهو قول اللخمي أو لا يفعل بهما شيئا ، وهو قول أبي عمران وليس هنا خلاف في فهم المدونة أفاده الخرشي في كبيره والبناني وترك المصنف الإيماء للركوع وحاصله أنه إن أومأ له من قيام فيومئ بيديه لركبتيه بلا خلاف ، وإن أومأ له من جلوس وضعهما على ركبتيه بلا خلاف . وهل ذلك واجب أو مندوب عج في كلام الشارح إشارة إلى الوجوب . ( وإن قدر ) مريد الصلاة القائم ( على الكل ) أي جميع أركان الركعة ( و ) لكن ( إن سجد ) على الأرض أو ما اتصل بها ( لا ينهض ) أي لا يقدر على النهوض للقيام ( أتم ركعة ) بركوعها ورفعه منه وسجدتيها وجلوسه بينهما ( ثم جلس ) في باقي صلاته تقديما لست سجدات على ثلاث قيامات في الرباعية قاله اللخمي وابن يونس والتونسي . وقيل يصلي قائما موميا للسجود إلا الأخيرة فيسجد فيها تقديما للقيام على السجود . [ ص: 278 ] وإن خف ) في الصلاة شخص ( معذور ) بعذر مسوغ للاستناد أو الجلوس أو الاضطجاع بزوال عذره وقدر على حالة أعلى مما ابتدأ الصلاة فيها ( انتقل ) وجوبا أو ندبا ( للأعلى ) كمستند قدر على الاستقلال وجالس قدر على القيام ومضطجع قدر على الجلوس أو القيام كمضطجع على أيسر قدر على أيمن ، فإن تركه بطلت في الانتقال الواجب لا في المندوب .

وقوله انتقل يشعر بأن الخفة في الصلاة ومن خف بعدها لا يعيدها قاله في سماع عيسى والغريق إذا صلى إيماء ثم خرج إلى البر يعيد في الوقت قاله أشهب . ولعل الفرق بقاء أثر المرض بعد زواله غالبا فخفف عند زواله بخلاف الفرق فلا يبقى له أثر غالبا ( وإن عجز عن ) قراءة ( فاتحة ) حال كونه ( قائما جلس ) لقراءتها عقب إحرامه قائما ثم يقوم لهوي الركوع وشمل كلامه من لم يحفظها وأمكنه قراءتها جالسا بمصحف ، فإن قدر على بعضها قائما قام بقدره وجلس لتكميلها ثم يقوم للركوع . ( وإن لم يقدر ) المكلف على شيء من أركان الصلاة القولية والفعلية لا بهيئتها الأصلية ولا بالإيماء بشيء من بدنه وهو متوضئ ( إلا على نية ) أي إجراء أركانها من الإحرام إلى السلام على قلبه فليس المراد بها مجرد قصدها فقال ابن بشير لا نص فيها في المذهب . وأوجب الشافعي القصد إلى الصلاة وهو أحوط . ومذهب أبي حنيفة إسقاط الصلاة عمن وصل إلى هذه الحالة . واعترض بوجود النص في المذهب . قال ابن الجلاب ولا تسقط عنه الصلاة ومعه شيء من عقله ، ونحوه في الكافي ، وفي المدونة وليصل المريض بقدر طاقته فإن دين الله يسر ونحوه في الرسالة ابن رشد في أول سماع أشهب في القوم تنكسر بهم المركب فيتعلقون بالألواح ونحوها . اختلف إن لم يقدروا على الصلاة بإيماء ولا غيره حتى خرج الوقت ، فقيل تسقط الصلاة عنهم وهي رواية معن عن عيسى عن مالك رضي الله تعالى عنه في الذين يكتنفهم العدو فلا يقدرون على الصلاة .

وقيل لا تسقط عنهم وعليهم أن يصلوا بعد الوقت وهو قول المدونة في الذين انهدم البيت [ ص: 279 ] عليهم ونصها ، وأما من كان تحت الهدم فلم يستطع الصلاة فعليه أن يقضي ما خرج وقته لأنه في عقله ا هـ . فهذا يرد على ابن بشير وأتباعه في قولهم لا نص في العاجز عن كل شيء سوى النية قاله في تكميل التقييد ونحوه لابن عبد السلام وابن عرفة . ( أو ) لم يقدر إلا على نية ( مع ) قدرته على ( إيماء ) أي إشارة لأركان الصلاة ( بطرف ) بسكون الراء أي عين ( فقال ) المازري في شرح التلقين مقتضى المذهب فيما ظهر لي أنه يومئ بطرفه وحاجبه ويكون مصليا به مع النية ا هـ . واعترض عليه بأنه قصور منه فإن ابن بشير ذكرها ونصه ، وإن عجز عن جميع الأركان فلا يخلو من أن يقدر على حركة بعض أعضائه من رأس أو يد أو حاجب أو غير ذلك من أعضائه فلا خلاف أنه يصلي ويومئ بما قدر على حركته . ( و ) قال ( غيره ) أي المازري وهو ابن بشير فيمن لم يقدر إلا على نية ونصه عقب ما تقدم عنه ، فإن عجز عن جميع ذلك سوى النية بالقلب فهل يصلي أم لا في هذه الصورة لا نص فيها إلخ ما تقدم عنه ( لا نص ) أي في المذهب على وجوبها بالنية وحدها في الصورة الأولى ، وبها مع الإيماء بالطرف في الصورة الثانية . ( ومقتضى المذهب الوجوب ) للصلاة بالنية وحدها في الأولى وبها مع إيماء الطرف في الثانية . واعترض بأنه يفيد أن المازري وغيره تكلما على المسألتين . وقالا فيهما لا نص ومقتضى المذهب الوجوب . وليس كذلك إذ الغير تكلم على الأولى ، وقال فيها لا نص ولم يقل فيها مقتضى المذهب الوجوب .

والمازري تكلم عن الثانية ، وقال مقتضى المذهب الوجوب ولم يقل لا نص . وأجيب بأن قوله فقال راجع للثانية وقوله وغيره راجع للأولى ، وأن كلا منهما قال في مسألته لا نص ، ومقتضى المذهب الوجوب ، لكن ابن بشير قال في الأولى لا نص صراحة وقال مقتضى المذهب الوجوب ضمنا لأن قوله وأوجب الشافعي القصد إلى الصلاة وهو أحوط يفيد أن مقتضى المذهب الوجوب فهو مقول له ضمنا . [ ص: 280 ] والمازري قال في مسألته مقتضى المذهب الوجوب صراحة ، وهو يقتضي أنه لا نص فيها فيكون مقولا له ضمنا فقد صح أن كلا منهما قال الأمرين وإن كان بعضهما ضمنا والبعض الآخر صريحا وهذا أولى من جعله لفا ونشرا مشوشا باعتبار القائل والمقول ومرتبا باعتبار المقول والتصوير .




الخدمات العلمية