الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            القول في الصلاة في أعطان الإبل ومراح الغنم

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " والنهي عن الصلاة في أعطان الإبل اختيار لقول النبي صلى الله عليه وسلم فإنها جن من جن خلقت وكما قال حين ناموا عن الصلاة : اخرجوا بنا من هذا الوادي فإن به شيطانا فكره قربه لا لنجاسة الإبل لا موضعا فيه شيطان ، وقد مر بالنبي صلى الله عليه وسلم شيطان فخنقه ، ولم تفسد عليه صلاته ، ومراح الغنم الذي تجوز فيه الصلاة الذي لا بول فيه ، ولا بعر ، والعطن موضع قرب البئر الذي يتنحى إليه الإبل ليرد غيرها الماء لا المراح الذي تبيت فيه " قال الماوردي : وهذا كما قال .

                                                                                                                                            ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصلاة في أعطان الإبل وأباح الصلاة في مراح الغنم ، فأما العطن ، فهو : موضع يكون قريب البئر تنحى إليه الإبل إذا صدرت من الماء لترد غيرها وأما مراح الغنم فهو : موضع عال يقرب من الغنم يأوي إليه الراعي لحراستها ومنع الوحش منها ، فإن كان العطن والمراح قد نجسا بالبول ، والبعر ، فالصلاة فيها باطلة ، وإن كانا طاهرين فالصلاة جائزة غير أنها في العطن مكروهة ، وفي المراح مباحة .

                                                                                                                                            والدليل على ذلك رواية عبد الله بن المغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا أدركتم الصلاة في مراح الغنم فصلوها ، فإنها سكينة وبركة ، وإذا أدركتم الصلاة في أعطان الإبل فاخرجوا ، ثم صلوا ، فإنها جن من جن خلقت ، ألا ترونها كيف تشمخ بأنفها إذا نفرت " .

                                                                                                                                            [ ص: 270 ] والفرق بينهما من طريق المعنى : من وجوه :

                                                                                                                                            أحدها : أن أعطان الإبل مأوى الشياطين : لأن النبي صلى الله عليه وسلم شبه الإبل بها ، وليس مراح الغنم مأوى الشياطين ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنها من دواب الجنة .

                                                                                                                                            والثاني : أن الصلاة في الأعطان تعري عن الخشوع لما يخشى المصلي على نفسه من نفور الإبل ، وليس للغنم نفور فيخافه المصلي فيسقط به خضوعه ، ألا تراه صلى الله عليه وسلم شبه قوما بالإبل فذمهم ، وشبه آخرين بالغنم فمدحهم ، وقال : مثل المؤمن مثل الغنم لين مشيها لا تؤذي من جاورها .

                                                                                                                                            والثالث : أن أعطان الإبل ليست على استواء من الأرض بل يرتاد لها الرفع والوسخ والمكان الحزز ، لأنها عليه أصلح ، ولا يرتاد للغنم من الأرض إلا أجلسها تربة وأعلاها بقعة ، وأسواها موضعا ، وألطفها مربعا : لأنها لا تصلح إلا فيه ولا تنجب إلا عليه .

                                                                                                                                            فإن قيل : فإذا ورد النهي عن الصلاة في أعطان الإبل على ما ذكرتم ، فلم جوزتم الصلاة فيها ؟ وهل أوجب النهي بطلان الصلاة فيها ؟ قيل : لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في أعطانها : لأنه شبهها بالشياطين ، وهذا المعنى لا يبطل الصلاة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد مر به في صلاة شيطان ولم تفسد صلاته - والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية