الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب فيما يدعى لمن لبس ثوبا جديدا

                                                                      4024 حدثنا إسحق بن الجراح الأذني حدثنا أبو النضر حدثنا إسحق بن سعيد عن أبيه عن أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بكسوة فيها خميصة صغيرة فقال من ترون أحق بهذه فسكت القوم فقال ائتوني بأم خالد فأتي بها فألبسها إياها ثم قال أبلي وأخلقي مرتين وجعل ينظر إلى علم في الخميصة أحمر أو أصفر ويقول سناه سناه يا أم خالد وسناه في كلام الحبشة الحسن

                                                                      التالي السابق


                                                                      بصيغة المجهول من الدعاء لمن لبس ثوبا جديدا .

                                                                      ( إسحاق بن الجراح الأذني ) : بفتحتين مخفف صدوق قاله الحافظ : ( أتي ) : بضم الهمزة مبنيا للمفعول ( فيها خميصة ) : بالخاء المفتوحة والميم المكسورة والتحتية الساكنة والصاد المهملة ثوب من حرير أو صوف معلم أو كساء مربع له غلمان أو كساء رقيق من أي لون كان أو لا تكون خميصة إلا إذا كانت سوداء معلمة كذا قال القسطلاني : ( من ترون ) : بفتح التاء والراء ( أحق ) بالنصب على أنه مفعول ثان لقوله ترون ومفعوله الأول محذوف أي من ترونه أحق بهذه الخميصة .

                                                                      وفي رواية للبخاري من ترون نكسوا هذه الخميصة ( فأتي بها ) : فيه التفات .

                                                                      وفي رواية للبخاري فأتي بي النبي صلى الله عليه وسلم ( فألبسها ) : أي أم خالد ( إياها ) : أي الخميصة وفي بعض النسخ إياه بالتذكير بتأويل الثوب ( ثم قال أبلي وأخلقي ) : قال الحافظ في الفتح أبلي بفتح الهمزة وسكون الموحدة وكسر اللام أمر بالإبلاء ، وكذا قوله أخلقي بالمعجمة والقاف أمر بالإخلاق وهما بمعنى والعرب تطلق ذلك وتريد الدعاء بطول البقاء للمخاطب بذلك ، أي أنها تطول حياتها حتى يبلى الثوب ويخلق

                                                                      قال الخليل أبل وأخلق معناه عش وخرق ثيابك وأرقعها .

                                                                      قال ووقع في رواية أبي زيد المروزي عن الفربري وأخلفي بالفاء وهي أوجه من التي بالقاف لأن الأولى تستلزم التأكيد إذ الإبلاء والإخلاق بمعنى لكن جاز العطف لتغاير اللفظين ، والثانية تفيد معنى زائدا وهو أنها إذا أبلته أخلفت غيره ، ويؤيدها ما أخرجه أبو داود بسند صحيح عن أبي نضرة قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدهم إلخ انتهى [ ص: 53 ]

                                                                      ( أحمر أو أصفر ) : وفي رواية البخاري ( أخضر ) بدل ( أحمر ) والشك من الراوي ، ( ويقول ) : أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( سناه سناه ) : بفتح السين المهملة والنون وبعد الألف هاء ساكنة أي حسن حسن .

                                                                      وفي رواية البخاري هذا سناه والمشار إليه علم الخميصة ( وسناه في كلام الحبشة الحسن ) : قال القسطلاني : وكلمها عليه الصلاة والسلام بلسان الحبشة لأنها ولدت بأرض الحبشة انتهى .

                                                                      قال السيوطي : قال الشيخ تقي الدين بن الصلاح : قد استخرج بعض المشايخ للبس الخرقة أصلا من هذا الحديث ، وقد أشار بذلك إلى السهروردي فإنه ذكره في عوارف المعارف فقال وأصل لبس الخرقة هذا الحديث قال : ولبس الخرقة ارتباط بين الشيخ والمريد فيكون لبس الخرقة علامة للتفويض والتسليم في حكم الله ورسوله وإحياء سنة المبايعة ثم قال : ولا خفاء في أن لبس الخرقة على الهيئة التي يعتمدها الشيوخ في هذا الزمان لم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم ، وقد رأينا من المشايخ من لا يلبس الخرقة وكان طبقة من السلف الصالحين لا يعرفون الخرقة ولا يلبسون المريدين فمن يلبسها فله مقصد صحيح ومن لم يلبسها فله رأيه وكل تصاريف المشايخ محمولة على السداد والصواب ولا تخلو عن نية صالحة .

                                                                      قال السيوطي : وقد استنبطت للخرقة أصلا أوضح من هذا الحديث وهو ما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان من طريق عطاء الخراساني أن رجلا أتى ابن عمر فسأله عن إرخاء طرف العمامة فقال له عبد الله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية وأمر عليها عبد الرحمن بن عوف وعقد لواء وعلى عبد الرحمن بن عوف عمامة من كرابيس مصبوغة بسواد فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحل عمامته فعممه بيده وأفضل من عمامته موضع أربعة أصابع أو نحوه فقال هكذا فاعتم فهو أحسن وأجمل ، فهذا أوضح في كونه أصلا للبس الخرقة من وجهين الأول أن الصوفية إنما يلبسون طاقية على رأس لا ثوبا عاما لكل بدنه الثاني أن حديث أم عطية في اللباس غطاء وقسمة وكسوة وهذا بالرأس تشريف وهو السبب للبس الخرقة ، ووجه ثالث أن لبس الخرقة نوع من المبايعة كما أشار له السهروردي وأم خالد كانت صغيرة لا تصلح للمبايعة بخلاف حديث عبد الرحمن بن عوف انتهى كلام السيوطي [ ص: 54 ]

                                                                      قال المنذري : وأخرجه البخاري .




                                                                      الخدمات العلمية