الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( والحائل لا يمنع ) الاقتداء ( إن لم يشتبه حال إمامه ) بسماع أو رؤية ولو من باب مشبك يمنع الوصول في الأصح ( ولم يختلف المكان ) حقيقة كمسجد وبيت في الأصح قنية ، ولا حكما عند اتصال الصفوف ; ولو اقتدى من سطح داره المتصلة بالمسجد لم يجز لاختلاف المكان [ ص: 587 ] درر وبحر وغيرهما وأقره المصنف لكن تعقبه في الشرنبلالية ونقل عن البرهان وغيره [ ص: 588 ] أن الصحيح اعتبار الاشتباه فقط . قلت : وفي الأشباه وزواهر الجواهر ومفتاح السعادة أنه الأصح . وفي النهر عن الزاد أنه اختيار جماعة من المتأخرين .

التالي السابق


( قوله بسماع ) أي من الإمام أو المكبر تتارخانية ( قوله أو رؤية ) ينبغي أن تكون الرؤية كالسماع ، لا فرق فيها بين أن يرى انتقالات الإمام أو أحد المقتدين ح ( قوله في الأصح ) بناء على أن المعتبر الاشتباه وعدمه كما يأتي ، لا إمكان الوصول إلى الإمام وعدمه ( قوله ولم يختلف المكان ) أي مكان المقتدي والإمام . وحاصله أنه اشترط عدم الاشتباه وعدم اختلاف المكان ، ومفهومه أنه لو وجد كل من الاشتباه والاختلاف أو أحدهما فقط منع الاقتداء ، لكن المنع باختلاف المكان فقط فيه كلام يأتي ( قوله كمسجد وبيت ) فإن المسجد مكان واحد ، ولذا لم يعتبر فيه الفصل بالخلاء إلا إذا كان المسجد كبيرا جدا وكذا البيت حكمه حكم المسجد في ذلك لا حكم الصحراء كما قدمناه عن القهستاني . وفي التتارخانية عن المحيط : ذكر السرخسي إذا لم يكن على الحائط العريض باب ولا ثقب ; ففي رواية يمنع لاشتباه حال الإمام ، وفي رواية لا يمنع وعليه عمل الناس بمكة ، فإن الإمام يقف في مقام إبراهيم ، وبعض الناس وراء الكعبة من الجانب الآخر وبينهم وبين الإمام الكعبة ولم يمنعهم أحد من ذلك . ا هـ .

وبهذا يعلم أن المنبر إذا كان مسدودا لا يمنع اقتداء من يصلي بجنبه عند عدم الاشتباه ، خلافا لمن أفتى بالمنع وأمر بفتح باب فيه من علماء الروم ( قوله عند اتصال الصفوف ) أي في الطريق أو على جسر النهر ، فإنه مع وجود النهر أو الطريق يختلف المكان ، وعند اتصال الصفوف يصير المكان واحدا حكما فلا يمنع كما مر ، وكأنه أراد بالحائل في كلام المصنف ما يشمل الحائط وغيره كالطريق والنهر ، إذ لو أريد [ ص: 587 ] به الحائط فقط لم يناسب ذكر هذا الكلام هنا تأمل ( قوله درر ) عبارتها : الحائل بينهما لو بحيث يشتبه به حال الإمام يمنع وإلا فلا ، إلا أن يختلف المكان . قال قاضي خان : إذا قام على الجدار الذي يكون بين داره وبين المسجد ولا يشتبه حال الإمام يصح الاقتداء ، وإن قام على سطح داره وداره متصلة بالمسجد لا يصح اقتداؤه وإن كان لا يشتبه عليه حال الإمام لأن بين المسجد وبين سطح داره كثير التخلل فصار المكان مختلفا .

أما في البيت مع المسجد لم يتخلل إلا الحائط ولم يختلف المكان ، وعند اتحاد المكان يصح الاقتداء إلا إذا اشتبه عليه حال الإمام . ا هـ . أقول : حاصل كلام الدرر أن اختلاف المكان مانع مطلقا . وأما إذا اتحد ، فإن حصل اشتباه منع وإلا فلا ، وما نقله عن قاضي خان صريح في ذلك ( قوله لكن تعقبه في الشرنبلالية إلخ ) حيث ذكر أن ما نقله عن الخانية من أنه لو قام على سطح داره المتصلة بالمسجد لا يصح إلخ خلاف الصحيح ، لما في الظهيرية من أن الصحيح أنه يصح ; ولما في البرهان من أنه لو كان بينهما حائط كبير لا يمكن الوصول إلى الإمام ولكن لا يشتبه حاله عليه بسماع أو رؤية لانتقالاته لا يمنع صحة الاقتداء في الصحيح ، وهو اختيار شمس الأئمة الحلواني . ا هـ . وحاصل كلام الشرنبلالي أن المعتبر الاشتباه وعدمه فقط دون اختلاف المكان ، فإن حصل الاشتباه منع سواء اتحد المكان أو لا ، وإلا فلا .

واعترضه العلامة نوح أفندي بأن المشهور من مذهب النعمان أن الاقتداء لا يجوز عند اختلاف المكان والمكان في مسألة الظهيرية مختلف كما صرح به قاضي خان فالصحيح أنه لا يصح . ا هـ . أقول : ويؤيده أن الشرنبلالي نفسه صرح في الإمداد بأنه لا يصح اقتداء الراجل بالراكب وعكسه ، ولا الراكب بالراكب لاختلاف المكان إلا إذا كان راكبا دابة إمامه ، وكذا ما ذكروه من أن من سبقه الحدث فاستخلف غيره ثم توضأ يلزمه العود إلى مكانه ليتم مع خليفته إن كان بينهما ما يمنع الاقتداء لئلا يختلف المكان . وأما ما صححه في الظهيرية في مسألة السطح فالظاهر أنه بناء على ما إذا كان السطح متصلا بالمسجد ، فحينئذ يصح الاقتداء ويكون ما في الخانية مبنيا على عدم الاتصال المذكور ، بدليل أنه في الخانية علل للمنع بكثرة التخلل واختلاف المكان : أي لكون صحن الدار فاصلا بين السطح والمسجد فيفيد أنه لولا ذلك لصح الاقتداء ، ويؤيده ما في البدائع حيث قال : لو كان على سطح بجنب المسجد متصل به ليس بينهما طريق فاقتدى به صح اقتداؤه عندنا لأنه إذا كان متصلا به صار تبعا لسطح المسجد وسطح المسجد له حكم المسجد ، فهو كاقتدائه في جوف المسجد إذا كان لا يشتبه عليه حال الإمام . ا هـ .

فأنت ترى كيف علل الصحة بالاتصال كما علل في الخانية لعدمها بعدمه . وقد جزم صاحب الهداية في مختارات النوازل بأن العبرة للاشتباه ; ثم قال بعده : وإن قام على سطح داره واقتدى بالإمام إن لم يكن بينهما حائل ولا شارع يصح ا هـ فيتعين حمل ما في الظهيرية على ما إذا لم يكن حائل كما قلنا ، فيصح لاتحاد المكان وأما ما نقله الشرنبلالي عن البرهان فليس فيه تصحيح الاقتداء مع اختلاف المكان لأنه بتخلل الحائط لا يختلف المكان كما قدمناه عن قاضي خان . وفي التتارخانية : وإن صلى على سطح بيته المتصل بالمسجد ، ذكر شمس الأئمة الحلواني أنه يجوز ، لأنه إذا كان متصلا بالمسجد لا يكون أشد حالا من منزل بينه وبين المسجد حائط ولو صلى رجل في مثل هذا المنزل وهو يسمع التكبير من الإمام أو المكبر يجوز فكذلك القيام على السطح ا هـ [ ص: 588 ] فقد تحرر بما تقرر أن اختلاف المكان مانع من صحة الاقتداء ولو بلا اشتباه ، وأنه عند الاشتباه لا يصح الاقتداء وإن اتحد المكان : ثم رأيت الرحمتي قرر كذلك فاغتنم ذلك ( قوله أن الصحيح اعتبار الاشتباه فقط ) أي ولا عبرة باختلاف المكان بناء على ما فهمه الشرنبلالي وليس ذلك بمراد ، لما علمت من أن اختلاف المكان مانع ، وإنما المراد التوفيق بين رواية الحسن عن الإمام أن الحائط يمنع الاقتداء ورواية الأصل أنه لا يمنع ، فقيل إنه بإمكان الوصول منه وعدمه .

واختار شمس الأئمة اعتبار الاشتباه وعدمه ، وهذا هو الذي اختاره جماعة من المتأخرين ، وقدمناه أيضا عن مختارات النوازل والبدائع . قال في الخانية لأن الاقتداء متابعة ومع الاشتباه لا يمكنه المتابعة . والذي يصحح هذا الاختيار ما رويناه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في حجرة عائشة والناس يصلون بصلاته } " ونحن نعلم أنهم ما كانوا متمكنين من الوصول إليه في الحجرة ا هـ ( قوله ومفتاح السعادة ) في بعض النسخ زيادة : ومجمع الفتاوى والنصاب والخانية




الخدمات العلمية