الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 6 - 7 ] قال : ( فإن نام فاحتلم لم يفطر ) لقوله صلى الله عليه وسلم { ثلاث لا يفطرن الصائم : القيء ، والحجامة ، والاحتلام }" ولأنه لم توجد صورة الجماع ولا معناه ، وهو الإنزال عن شهوة بالمباشرة ( وكذا إذا نظر إلى امرأة فأمنى ) لما بينا ، فصار كالمتفكر إذا أمنى ، وكالمستمني بالكف على ما قالوا ( ولو ادهن لم يفطر ) لعدم المنافي ( وكذا إذا احتجم ) لهذا ، ولما روينا .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الحادي عشر : قال عليه السلام : { ثلاث لا يفطرن الصائم : القيء ، والحجامة ، والاحتلام }" ، قلت : روي من حديث الخدري ، ومن حديث ابن عباس ، ومن حديث ثوبان .

                                                                                                        فحديث الخدري : أخرجه الترمذي في " كتابه " عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم [ ص: 8 ] عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { ثلاث لا يفطرن الصائم : الحجامة ، والقيء ، والاحتلام }" انتهى .

                                                                                                        وقال : حديث غير محفوظ ، وقد رواه عبد الله بن زيد بن أسلم ، وعبد العزيز بن محمد ، وغير واحد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار مرسلا ، لم يذكروا فيه : عن أبي سعيد ، وعبد الرحمن ضعيف ، قال محمد : لا أروي عنه شيئا ، انتهى .

                                                                                                        ورواه البيهقي في " سننه " ، وقال : هكذا رواه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وليس بالقوي . ورواه في " المعرفة " ، وقال : عبد الرحمن ضعيف في الحديث ، لا يحتج بما يتفرد به ، ثم هو محمول على ما لو ذرعه القيء ، جمعا بين الأخبار انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن حبان في " كتاب الضعفاء " ، وقال : عبد الرحمن كان يقلب الأخبار ، وهو لا يعلم ، حتى كثر ذلك في روايته من رفع الموقوفات ، وإسناد المرسلات ، فاستحق الترك انتهى .

                                                                                                        قلت : رواه مرسلا ابن أبي شيبة في " مصنفه " ، فقال : حدثنا إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن النبي عليه السلام .

                                                                                                        طريق آخر : أخرجه البزار في " مسنده " عن أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه به مسندا ، قال البزار : وهذا الحديث إنما يعرف عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه ، وعبد الرحمن ضعيف جدا ، فذكرناه عن أخيه أسامة ، لأنه أحد الإخوة . وهم : عبد الله ، [ ص: 9 ] وعبد الرحمن ، وأسامة ، ولم يسمع هذا الحديث من رواية أسامة إلا من الحسن بن عرفة عن حماد بن خالد عن أسامة بن زيد ، انتهى .

                                                                                                        طريق آخر : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء به ، وهشام بن سعد وإن تكلم فيه غير واحد فقد احتج به مسلم ، واستشهد به البخاري ، ورواه ابن عدي في " الكامل " ، وأسند تضعيف هشام بن سعد عن النسائي ، وأحمد ، وابن معين ، ولينه هو ، وقال : ومع ضعفه يكتب حديثه انتهى . وقال عبد الحق في " أحكامه " : هشام بن سعد يكتب حديثه ، ولا يحتج به انتهى .

                                                                                                        وأما حديث ابن عباس : فرواه البزار في " مسنده " حدثنا عبد الرحمن بن عيسى بن ساسان ثنا محمد بن عبد العزيز الرملي ثنا سليمان بن حيان أبو خالد الأحمر ثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ثلاث لا يفطرن الصائم : القيء ، والحجامة ، والاحتلام }" انتهى .

                                                                                                        قال : وهذا من أحسنها إسنادا ، وأصحها ، إلا أن عبد العزيز لم يكن بالحافظ انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن عدي في " الكامل " ، وأسند عن ابن معين أنه قال : سليمان بن حيان صدوق ، وليس بحجة ، قال : وهو كما قال ابن معين ، فإنه أتي عليه من سوء حفظه ، قال : وقد اختلف على زيد بن أسلم في هذا الحديث ، فمنهم من رواه عنه عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد مرفوعا ، ومنهم من قال : عن زيد بن أسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ، وما ذكرناه عن عطاء بن يسار عن ابن عباس مرفوعا لا أعرفه إلا من حديث هشام بن سعد ، ولا عنه إلا سليمان هذا انتهى . [ ص: 10 ] وأما حديث ثوبان : فرواه الطبراني في " معجمه الوسيط " حدثنا محمد بن الحسن بن قتيبة ثنا يزيد بن موهب ثنا ابن وهب أخبرني يزيد بن عياض عن أبي عدي التركي عن القاسم أبي عبد الرحمن عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ثلاث لا يفطرن الصائم : الحجامة ، والقيء ، والاحتلام }انتهى .

                                                                                                        وقال : لا يروى هذا الحديث عن ثوبان إلا بهذا الإسناد ، تفرد به ابن وهب ، انتهى .

                                                                                                        ومن أحاديث الباب : ما رواه أبو داود في " سننه " حدثنا محمد بن كثير ثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن رجل من أصحاب النبي عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يفطر من قاء ، ولا من احتلم ، ولا من احتجم }" انتهى .

                                                                                                        قال البيهقي في " سننه " مشيرا إلى هذا الحديث : والصحيح رواية سفيان الثوري ، وغيره عن زيد بن أسلم عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا يفطر من قاء }" الحديث ، قال : وقد روي عن الثوري نحو رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وليس بصحيح انتهى .

                                                                                                        وقال صاحب " التنقيح " : وقد تكلم في حديث الخدري الإمام أحمد ، ومحمد بن يحيى الذهلي ، وابن خزيمة ، والدارقطني ، وغيرهم . والمحفوظ فيه ما رواه أبو داود في " سننه " ، فذكره ، وقال الدارقطني في " كتاب العلل " في حديث الخدري : هذا حديث يرويه أولاد زيد بن أسلم الثلاثة : عبد الله ، وعبد الرحمن ، وأسامة عن أبيهم زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار ، وحدث به شيخ يعرف بمحمد بن أحمد بن أنس الشامي وكان ضعيفا عن أبي عامر العقدي عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم به ، قال : وهذا لا يصح عن هشام ، ورواه سفيان الثوري عن زيد بن أسلم عن صاحب له عن رجل من أصحاب النبي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره بلفظ أبي داود ، وقال : وهو الصواب انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية