الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 1081 ) فصل : ولا يسن القنوت في الصبح ، ولا غيرها من الصلوات ، سوى الوتر . وبهذا قال الثوري ، وأبو حنيفة . وروي عن ابن عباس ، وابن عمر ، وابن مسعود ، وأبي الدرداء . وقال مالك ، وابن أبي ليلى ، والحسن بن صالح ، والشافعي : يسن القنوت في صلاة الصبح ، في جميع الزمان ; لأن أنسا قال : { ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا } . رواه الإمام أحمد ، في " المسند " ، وكان عمر يقنت في الصبح بمحضر من الصحابة وغيرهم .

                                                                                                                                            ولنا ، ما روي ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرا ، يدعو على حي من أحياء العرب ، ثم تركه } . رواه مسلم . وروى أبو هريرة ، وأبو مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك . وعن { أبي مالك قال : قلت لأبي : يا أبت ، إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي هاهنا بالكوفة نحوا من خمس سنين ، أكانوا يقنتون ؟ قال : أي بني محدث } . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .

                                                                                                                                            والعمل عليه عند أكثر أهل العلم . وقال إبراهيم النخعي : أول من قنت في صلاة الغداة علي ، وذلك أنه كان رجلا محاربا يدعو على أعدائه . وروى سعيد في " سننه " عن [ ص: 450 ] هشيم ، عن عروة الهمذاني ، عن الشعبي قال : لما قنت علي في صلاة الصبح ، أنكر ذلك الناس . فقال علي : إنما استنصرنا على عدونا هذا . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت في صلاة الفجر ، إلا إذا دعا لقوم ، أو دعا على قوم } . رواه سعيد ، وحديث أنس يحتمل أنه أراد طول القيام ، فإنه يسمى قنوتا . وقنوت عمر يحتمل أنه كان في أوقات النوازل ; فإن أكثر الروايات عنه أنه لم يكن يقنت ، وروى ذلك عنه جماعة ، فدل على أن قنوته كان في وقت نازلة .

                                                                                                                                            ( 1082 ) فصل : فإن نزل بالمسلمين نازلة ، فللإمام أن يقنت في صلاة الصبح نص عليه أحمد قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله سئل عن القنوت في الفجر ؟ فقال : إذا نزل بالمسلمين نازلة ، قنت الإمام وأمن من خلفه . ثم قال : مثل ما نزل بالمسلمين من هذا الكافر . يعني بابك . قال أبو داود : سمعت أحمد يسأل عن القنوت في الفجر ؟ فقال : لو قنت أياما معلومة ، ثم يترك كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم أو قنت على الخرمية أو قنت على الدوام . والخرمية : هم أصحاب بابك وبهذا قال أبو حنيفة والثوري ; وذلك لما ذكرنا من أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرا يدعو على حي من أحياء العرب ثم تركه وأن عليا قنت ، وقال : إنما استنصرنا على عدونا هذا ولا يقنت آحاد الناس .

                                                                                                                                            ويقول في قنوته نحوا مما قال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول في القنوت " اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، وألف بين قلوبهم ، وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم ، اللهم العن كفرة أهل الكتاب ، الذين يكذبون رسلك ، ويقاتلون أولياءك ، اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل أقدامهم وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين اللهم إنا نستعينك ، ولا يقنت في غير الصبح من الفرائض . قال عبد الله عن أبيه : كل شيء يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت إنما هو في الفجر . ولا يقنت في الصلاة إلا في الوتر والغداة إذا كان مستنصرا يدعو للمسلمين .

                                                                                                                                            وقال أبو الخطاب يقنت في الفجر والمغرب ، لأنهما صلاتا جهر في طرفي النهار . وقيل : يقنت ، في صلاة الجهر كلها ، قياسا على الفجر ولا يصح هذا ; لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه ، القنوت في غير الفجر والوتر

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية