الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( وجد ) مضطر ( طعام غائب ) ( ولم يجد سواه ) ( أكل ) منه حتما ما يسد رمقه فقط أو ما يشبعه بشرطه وإن كان معسرا للضرورة ، ولأن الذمم تقوم مقام الأعيان ( وغرم ) عند قدرته مثله إن كان مثليا وقيمته إن كان متقوما حفظا لحق المالك . فإن كان مالكه الغائب مضطرا اتجه منع أكله إن كان قريبا بحيث يتمكن من زوال اضطراره به دون غيره ، وغيبة ولي المحجور كغيبة المالك وحضوره كحضوره ، ويجوز له بيع ماله نسيئة هنا وبلا رهن للضرورة وإن امتنع في غير ذلك ( أو ) وجد وهو غير نبي طعام ( حاضر مضطر لم يلزمه بذله ) له ( إن لم يفضل عنه ) بل هو أولى لخبر { ابدأ بنفسك } أما النبي فيجب على غيره إيثاره على نفسه وإن لم يطلب ، ولو كان بيد إنسان ميتة قدم بها ذو اليد على غيره كسائر المباحات خلافا للقاضي ، فإن فضل عن سد رمقه شيء لزمه بذله كما بحثه الزركشي وإن احتاج إليه مآلا ( فإن آثر ) في هذه الحالة وهو ممن يصبر على الإضاقة على نفسه مضطرا ( مسلما ) معصوما ( جاز ) بل ندب قوله تعالى { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } [ ص: 162 ] أما المسلم غير المضطر والذمي والبهيمة والمسلم المهدر فيمتنع إيثاره ( أو ) وجد طعام حاضر ( غير مضطر لزمه ) أي مالك الطعام ( إطعام ) أي سد رمق ( مضطر ) أو إشباعه على ما مر معصوم مسلم ( أو ذمي ) أو مؤمن وإن احتاجه المالك مآلا للضرورة الناجزة .

                                                                                                                            وكذا بهيمة لغيره محترمة ، بخلاف نحو حربي ومرتد وزان محصن وكلب عقور ، وعليه ذبح شاته لإطعام كلبه المنتفع به ، وله الأكل من لحمها لأنها ذبحت للأكل ، ويجب إطعام نحو صبي وامرأة حربيين اضطر قبل استيلاء عليهما وبعده ، ولا يعارضه ما مر من حل قتلهما لأنه ثم لضرورة فلم يكن منافيا لاحترامهما هنا وإن كانا غير معصومين في نفسهما كما مر آنفا ( فإن منع ) المالك من إطعامه ولا اضطرار به أو طلب منه زيادة على ثمن مثله بقدر لا يتغابن به ( فله ) أي المضطر ولا يلزمه وإن أمن ( قهره ) على أخذه ( وإن قتله ) ويكون مهدرا وإن قتل المالك المضطر في الدفع عن طعامه لزمه القصاص ، وإن منع منه الطعام فمات جوعا فلا ضمان إذ لم يحدث فيه فعلا مهلكا .

                                                                                                                            وقضية كلامهم أن للمضطر الذمي قتل المسلم المانع له إذا أدى دفعه إلى ذلك . قيل وهو الظاهر . ولا ينافيه ما مر من عدم جواز أكله ميتة المسلم لانتفاء تقصير المأكول منه ثم يوجه بخلاف الممتنع مهدر لنفسه بعصيانه بالمنع والمعتمد خلافه ، أما إذا رضي ببذله له بثمن مثله ولو بزيادة يتغابن بها فيلزمه قبوله بها ويمتنع عليه القهر ( وإنما يلزمه ) أي المالك بذل ما ذكر للمضطر ( بعوض ناجز ) هو ثمن المثل زمانا ومكانا ( إن حضر ) معه ( وإلا ) بأن لم يحضر معه عوض بأن غاب ماله ( ف ) لا يلزمه بذله مجانا مع اتساع الوقت بل بعوض ( بنسيئة ) ممتدة لزمن وصوله ، ودعوى أنه يبيعه بحال ولا يطالبه به إلا عند يساره مردودة لأنه قد يطالبه به قبل وصوله لماله مع عجزه عن إثبات إعساره فيحبسه ، أما إذا لم يكن له مال أصلا فلا معنى لوجوب الأجل لأنه لا حد لليسار يؤجل إليه .

                                                                                                                            أما مع الضيق للوقت عن تقدير عوض بأن كان لو قدر مات فيلزمه إطعامه مجانا ، ولو اشتراه بأكثر من ثمن مثله ولو بأكثر مما يتغابن به وهو قادر على قهره وأخذه منه [ ص: 163 ] لزمه ذلك ، وكذا لو عجز عن قهره وأخذه ، ولا أجرة لمن خلص مشرفا على هلاك مع ضيق الوقت عن تقدير الأجرة للزوم ذلك عليه مجانا حينئذ ، فإن اتسع لم يجب تخليصه إلا بها ، كذا قاله ابن المقري في روضه ( فلو أطعمه ولم يذكر عوضا فالأصح لا عوض ) حملا له على المسامحة المعتادة في الطعام لا سيما في حق المضطر .

                                                                                                                            والثاني يلزمه لأنه خلصه من الهلاك بذلك فيرجع عليه بالبدل ، وقول الشارح كما في العفو عن القصاص يلزمه معه الدية مفرع على رأي مرجوح في ذلك ، ومحل الخلاف ما لم يصرح بالإباحة ، فإن صرح بها فلا عوض قطعا .

                                                                                                                            قال البلقيني : وكذا لو ظهرت قرينتها ، فإن اختلفا في ذكر العوض صدق المالك بيمينه ، إذ لو لم يصدقه لرغب الناس عن إطعام المضطر وأفضى ذلك إلى الضرر

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : أو ما يشبعه بشرطه ) أي بأن لم يخش محذورا قبل وجود غيره ( قوله : وغرم عند قدرته ) أي عند الأكل ( قوله : ويجوز ) ( له ) أي الولي ، وقوله بيع ماله : أي المحجور ، وقوله للضرورة : أي ضرورة المضطر [ ص: 162 ] قوله : وعليه ذبح شاة لإطعام كلبه المنتفع به ) قياس ما تقدم له أن ما لا منفعة فيه ولا مضرة محترم ذبحها له هنا ، والقياس أن الحكم لا يتقيد بكلبه بل يجب ذبح شاته لكلب غيره المحترم وقاية لروحه ( قوله : ولا اضطرار به ) أي بالمالك ويصدق المالك في دعواه الاضطرار ، وينبغي أنه لو دلت قرينة على كذبه في دعواه الاضطرار لم يصدق في ذلك ( قوله : والمعتمد خلافه ) أي فلو خالف وقتله فينبغي أن لا يقتل فيه لأن القصاص يسقط بالشبهة وهي الاضطرار بل يضمنه بدية عمد ( قوله : مع اتساع الوقت ) أي لزمن الصيغة ( قوله : لأنه لا حد لليسار يؤجل إليه ) أي فيطعمه مجانا ، وعبارة حج : ثم إن قدر العوض وأفرز له المعوض ملكه به كائنا ما كان وإن كان المضطر محجورا وقدره وليه بأضعاف ثمن مثله للضرورة ، وإن لم يقدره أو لم يفرزه له لزمه مثل المثلي وقيمة المتقوم في ذلك الزمان والمكان ( قوله : أما مع إلخ ) وقد يستشكل بأن من لا مال له يجب إطعامه على أغنياء المسلمين وهذا المضطر لا مال له ، إلا أن يقال : صورة المسألة هنا أن مالك الطعام ليس من الأغنياء ( قوله فيلزمه إطعامه مجانا ) لعل المراد بقوله مجانا أنه لا يحتاج إلى تقدير عوض ، ثم إن كان المضطر غنيا وجب عليه البدل حيث أعطاه بنية البدل ، لكن في كلام حج بعد هذا ما نصه : ويفرق بين هذا وما لو أوجر المضطر قهرا [ ص: 163 ] قوله : لزمه ) أي المشتري ( قوله : لم يجب تخليصه إلا بها ) وهذا موافق لما قدمناه عن حج ، ولو قيل بالفرق بين ما هنا وثم بأن النفوس مجبولة على عدم بذل المال بخلاف البدن لم يبعد ( قوله : صدق المالك بيمينه ) ولو اتفقا على ذكره واختلفا في قدره تحالفا ثم يفسخانه هما أو أحدهما أو الحاكم ويرجع إلى المثل أو القيمة ، فلو اختلفا في قدر القيمة بعد ذلك صدق الغارم



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : دون غيره ) أي غير ذلك الطعام ( قوله وغيبة ولي المحجور كغيبة المالك إلخ ) ومعلوم أنه لا نظر لاضطراره وإنما ينظر لاضطرار المحجور [ ص: 162 ] وإن أوهم التشبيه خلافه ( قوله : لأنها ذبحت للأكل ) يوهم أنها إذا ذبحت لغير الأكل لا تحل ، وظاهر أنه غير مراد .




                                                                                                                            الخدمات العلمية