المسألة الرابعة :
nindex.php?page=treesubj&link=28920قرأ نافع : ( حتى يقول ) برفع اللام والباقون بالنصب ، ووجهه أن ( حتى ) إذا نصبت المضارع تكون على ضربين :
أحدهما : أن تكون بمعنى : إلى ، وفي هذا الضرب يكون الفعل الذي حصل قبل ( حتى ) والذي حصل بعدها قد وجدا ومضيا ، تقول : سرت حتى أدخلها ، أي : إلى أن أدخلها ،
[ ص: 19 ] فالسير والدخول قد وجدا ومضيا ، وعليه النصب في هذه الآية ؛ لأن التقدير : وزلزلوا إلى أن يقول الرسول ، والزلزلة والقول قد وجدا .
والثاني : أن تكون بمعنى : كي ، كقوله : أطعت الله حتى أدخل الجنة ، أي : كي أدخل الجنة ، والطاعة قد وجدت والدخول لم يوجد ، ونصب الآية لا يمكن أن يكون على هذا الوجه .
وأما الرفع فاعلم أن الفعل الواقع بعد ( حتى ) لا بد وأن يكون على سبيل الحال المحكية التي وجدت ، كما حكيت الحال في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15هذا من شيعته وهذا من عدوه ) [القصص : 15] وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=18وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ) [الكهف : 18] لأن هذا لا يصح إلا على سبيل أن في ذلك الوقت كان يقال هذا الكلام ، ويقال : شربت الإبل حتى يجيء البعير يجر بطنه ، والمعنى : شربت حتى إن من حضر هناك يقال : يجيء البعير يجر بطنه ، ثم هذا قد يصدق عند انقضاء السبب وحده دون المسبب ، كقولك : سرت حتى أدخل البلد . فيحتمل أن السير والدخول قد وجدا وحصلا ، ويحتمل أن يكون قد وجد السير , والدخول بعد لم يوجد . فهذا هو الكلام في تقرير وجه النصب ووجه الرفع ، واعلم أن الأكثرين اختاروا النصب ؛ لأن قراءة الرفع لا تصح إلا إذا جعلنا الكلام حكاية عمن يخبر عنها حال وقوعها ، وقراءة النصب لا تحتاج إلى هذا الفرض فلا جرم كانت قراءة النصب أولى .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28920قَرَأَ نَافِعٌ : ( حَتَّى يَقُولُ ) بِرَفْعِ اللَّامِ وَالْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ ، وَوَجْهُهُ أَنَّ ( حَتَّى ) إِذَا نَصَبَتِ الْمُضَارِعَ تَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى : إِلَى ، وَفِي هَذَا الضَّرْبِ يَكُونُ الْفِعْلُ الَّذِي حَصَلَ قَبْلَ ( حَتَّى ) وَالَّذِي حَصَلَ بَعْدَهَا قَدْ وُجِدَا وَمَضَيَا ، تَقُولُ : سِرْتُ حَتَّى أَدْخُلَهَا ، أَيْ : إِلَى أَنْ أَدْخُلَهَا ،
[ ص: 19 ] فَالسَّيْرُ وَالدُّخُولُ قَدْ وُجِدَا وَمَضَيَا ، وَعَلَيْهِ النَّصْبُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ : وَزُلْزِلُوا إِلَى أَنْ يَقُولَ الرَّسُولُ ، وَالزَّلْزَلَةُ وَالْقَوْلُ قَدْ وُجِدَا .
وَالثَّانِي : أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى : كَيْ ، كَقَوْلِهِ : أَطَعْتُ اللَّهَ حَتَّى أَدْخُلَ الْجَنَّةَ ، أَيْ : كَيْ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ ، وَالطَّاعَةُ قَدْ وُجِدَتْ وَالدُّخُولُ لَمْ يُوجَدْ ، وَنَصْبُ الْآيَةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ .
وَأَمَّا الرَّفْعُ فَاعْلَمْ أَنَّ الْفِعْلَ الْوَاقِعَ بَعْدَ ( حَتَّى ) لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ الْحَالِ الْمَحْكِيَّةِ الَّتِي وُجِدَتْ ، كَمَا حُكِيَتِ الْحَالُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ ) [الْقَصَصِ : 15] وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=18وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ) [الْكَهْفِ : 18] لِأَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ أَنَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ يُقَالُ هَذَا الْكَلَامُ ، وَيُقَالُ : شَرِبَتِ الْإِبِلُ حَتَّى يَجِيءَ الْبَعِيرُ يَجُرُّ بَطْنَهُ ، وَالْمَعْنَى : شَرِبَتْ حَتَّى إِنَّ مَنْ حَضَرَ هُنَاكَ يُقَالُ : يَجِيءُ الْبَعِيرُ يَجُرُّ بَطْنَهُ ، ثُمَّ هَذَا قَدْ يَصْدُقُ عِنْدَ انْقِضَاءِ السَّبَبِ وَحْدَهُ دُونَ الْمُسَبِّبِ ، كَقَوْلِكَ : سِرْتُ حَتَّى أَدْخُلَ الْبَلَدَ . فَيُحْتَمَلُ أَنَّ السَّيْرَ وَالدُّخُولَ قَدْ وُجِدَا وَحَصَلَا ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ وُجِدَ السَّيْرُ , وَالدُّخُولُ بَعْدُ لَمْ يُوجَدْ . فَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ فِي تَقْرِيرِ وَجْهِ النَّصْبِ وَوَجْهِ الرَّفْعِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ اخْتَارُوا النَّصْبَ ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الرَّفْعِ لَا تَصِحُّ إِلَّا إِذَا جَعَلْنَا الْكَلَامَ حِكَايَةً عَمَّنْ يُخْبِرُ عَنْهَا حَالَ وُقُوعِهَا ، وَقِرَاءَةُ النَّصْبِ لَا تَحْتَاجُ إِلَى هَذَا الْفَرْضِ فَلَا جَرَمَ كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّصْبِ أَوْلَى .