الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 164 ] قال : ( فيبتدئ بجمرة العقبة فيرميها من بطن الوادي بسبع حصيات مثل حصى الخذف ) لأن { النبي عليه الصلاة والسلام لما أتى منى لم يعرج على شيء حتى رمى جمرة العقبة ، وقال عليه الصلاة والسلام عليكم بحصى الخذف لا يؤذي بعضكم بعضا }( ولو رمى بأكبر منه جاز ) لحصول الرمي غير أنه لا يرمي بالكبار من الأحجار كي لا يتأذى به غيره ( ولو رماها من فوق العقبة أجزاه ) لأن ما حولها موضع النسك والأفضل أن يكون من بطن الوادي لما روينا . [ ص: 165 ] ( ويكبر مع كل حصاة ) كذا روى ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم ( ولو سبح مكان التكبير أجزأه ) لحصول الذكر ، وهو من آداب الرمي . [ ص: 166 ] ( ولا يقف عندها ) لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يقف عندها . [ ص: 167 ] ( ويقطع التلبية مع أول حصاة ) لما روينا عن ابن مسعود رضي الله عنه .

                                                                                                        وروى جابر أن { النبي عليه الصلاة والسلام قطع التلبية عند أول حصاة رمى بها جمرة العقبة }. ثم كيفية الرمي أن يضع الحصاة على ظهر إبهامه اليمنى ويستعين بالمسبحة ; ومقدار الرمي أن يكون بين الرامي وبين موضع السقوط خمسة أذرع فصاعدا كذا روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله لأن ما دون [ ص: 168 ] ذلك يكون طرحا ( ولو طرحها طرحا أجزأه ) لأنه رمى إلى قدميه إلا أنه مسيء لمخالفته السنة ( ولو وضعها وضعا لم يجزه ) لأنه ليس برمي ( ولو رماها فوقعت قريبا من الجمرة يكفيه ) لأن هذا القدر مما لا يمكن الاحتراز عنه ( ولو وقع بعيدا منها يجزئه ) لأنه لم يعرف قربة إلا في مكان مخصوص ( ولو رمى بسبع حصيات جملة فهذه واحدة ) لأن المنصوص عليه تفرق الأفعال . ( ويأخذ الحصى من أي موضع شاء إلا من عند الجمرة فإن ذلك يكره ) لأن ما عندها من الحصى مردود هكذا جاء في الأثر فيتشاءم به ومع هذا لو فعل أجزأه لوجود فعل الرمي ( ويجوز الرمي بكل ما كان من أجزاء الأرض عندنا ) خلافا للشافعي رحمه الله لأن المقصود فعل الرمي ; وذلك يحصل بالطين كما يحصل بالحجر ; بخلاف ما إذا رمى بالذهب أو الفضة لأنه يسمى نثرا لا رميا .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث السابع والخمسون : روي أن { النبي عليه السلام لم يعرج على شيء حتى رمى جمرة العقبة } ، قلت : تقدم في حديث جابر الطويل : { فدفع قبل أن تطلع الشمس ، حتى أتى بطن محسر ، فحرك قليلا ، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى ، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة ، فرماها بسبع حصيات }.

                                                                                                        الحديث الثامن والخمسون : قال عليه السلام : { عليكم بحصى الخذف ، لا يؤذي بعضكم بعضا } ، قلت : روى أبو داود ، وابن ماجه في " سننهما " قريبا منه عن يزيد بن أبي زياد أنا سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه ، قالت : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة من بطن الوادي ، وهو راكب يكبر مع كل حصاة ، ورجل من خلفه يستره ، فسألت عن الرجل ، فقالوا : الفضل بن عباس ، وازدحم الناس ، فقال النبي عليه السلام : يا أيها الناس ، لا يقتل بعضكم بعضا ، وإذا رميتم الجمرة فارموا بمثل حصى الخذف } ، انتهى .

                                                                                                        ورواه أحمد ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو يعلى في " مسانيدهم " .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الطبراني في " معجمه الأوسط " عن أشهب حدثنا ابن لهيعة [ ص: 165 ] عن أيوب بن موسى حدثه عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما أتى محسرا : { عليكم بحصى الخذف }انتهى .

                                                                                                        وقال : لم يروه عن أيوب إلا ابن لهيعة ، تفرد به أشهب ، وفي الباب حديث أخرجه مسلم عن أبي الزبير عن جابر ، قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة بمثل حصى الخذف }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه ابن عدي في " الكامل " عن إسماعيل بن عياش ثنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي الزبير أن أبا معبد مولى ابن عباس أخبره أنه سمع ابن عباس يحدث عن العباس بن عبد المطلب أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { عليكم بحصى الخذف }انتهى .

                                                                                                        قال ابن عدي : وهذا الحديث لا يحدث به عن يحيى غير إسماعيل انتهى . ورواه أحمد في " مسنده " حدثنا سفيان عن زياد بن سعد عن أبي الزبير عن أبي معبد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لم يذكر فيه العباس ، وقال صاحب " التنقيح " رحمه الله : إسناده صحيح .

                                                                                                        { حديث آخر } : روي في " مسنده " حدثنا ابن جعفر ثنا عوف بن أبي جميلة عن زياد بن الحصين حدثنا أبو العالية عن { ابن عباس ، قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة جمع : القط لي ، فلقطت له حصيات من حصى الخذف ، فلما وضعهن في يده ، قال : نعم بأمثال هؤلاء ، وإياكم والغلو في الدين ، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين }انتهى .

                                                                                                        ومن طريق أحمد رواه الحاكم في " المستدرك " ، قال : حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه انتهى . وأخرجه النسائي ، وابن ماجه عن عوف به .

                                                                                                        الحديث التاسع والخمسون : روى ابن مسعود . وابن عمر التكبير مع كل حصاة ، قلت : أما حديث ابن مسعود فأخرجه البخاري ، ومسلم ، هكذا ذكره عبد الحق في " المتفق عليه " عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال : رمى عبد الله بن مسعود جمرة العقبة من بطن الوادي بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة ، فقيل له : إن ناسا يرمونها من فوقها ، فقال عبد الله بن مسعود : هذا والذي لا إله غيره مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة ، [ ص: 166 ] انتهى .

                                                                                                        وأخرجه البخاري ، ومسلم ، عن الأعمش ، قال : سمعت الحجاج بن يوسف يقول ، وهو يخطب على المنبر : لا تقولوا : سورة البقرة ، وقولوا : السورة التي يذكر فيها البقرة ، السورة التي يذكر فيها آل عمران ، السورة التي يذكر فيها النساء ، قال : فلقيت إبراهيم فأخبرته بقوله ، فسبه ، وقال : حدثني عبد الرحمن بن يزيد أنه كان مع عبد الله بن مسعود ، فأتى جمرة العقبة فاستبطن الوادي ، فاستعرضها ، فرماها من بطن الوادي ، إلى آخره ، سواء ، وليس في الكتب الستة عن ابن مسعود في هذا الباب غير ذلك وهو غير كاف ، إلا أن يكون رفعه ، وينظر من غير الكتب الستة .

                                                                                                        وأما حديث ابن عمر : فأخرجه البخاري عن الزهري ، قال : سمعت سالما يحدث عن أبيه { عن النبي عليه السلام أنه كان إذا رمى الجمرة رماها بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة ، ثم ينحدر أمامها فيقف مستقبل القبلة ، رافعا يديه يدعو ، وكان يطيل الوقوف ، ويأتي الجمرة الثانية ، فيرميها بسبع حصيات ، يكبر كلما رمى بحصاة ، ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي ، فيقف مستقبل البيت رافعا يديه يدعو ، ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة ، فيرميها بسبع حصيات ، يكبر كلما رماها بحصاة ، ثم ينصرف ، ولا يقف عندها }انتهى .

                                                                                                        وفي الباب حديث جابر الطويل : { حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة ، فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة } ، الحديث .

                                                                                                        الحديث الستون : روي أنه عليه السلام لم يقف عند جمرة العقبة ، قلت : تقدم في الحديث الذي قبله عند البخاري عن ابن عمر ، قال : { ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة فيرميها بسبع حصيات ، يكبر كلما رماها بحصاة ، ثم ينصرف ، ولا يقف عندها } ، الحديث ، وله أيضا عن الزهري { عن سالم بن عبد الله بن عمر كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات ، يكبر على إثر كل حصاة ، ثم يتقدم فيسهل ، فيقوم مستقبل القبلة ، فيقوم طويلا ، ويدعو ويرفع يديه ، ثم يرمي الوسطى ، ثم يأخذ ذات الشمال ، فيسهل ، ويقوم مستقبل القبلة ، ثم يدعو ويرفع يديه ، ويقوم طويلا ، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ، ولا يقف عندها ، ثم ينصرف فيقول : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله } ، [ ص: 167 ] انتهى ، . وأغفل هذا الجاهل هذين الحديثين ، وأخذ يستشهد بما في حديث جابر الطويل : { حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة ، فرماها بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة منها ، مثل حصاة الخذف ، رمى من بطن الوادي ، ثم انصرف إلى المنحر ، فنحر } ، وهذا ليس بصريح في ذلك . قوله : ويقطع التكبير مع أول حصاة ، لما روينا عن ابن مسعود عنه ، قلت : كأن المصنف ذهل ، فإنه لم يذكر هذا عن ابن مسعود ، إنما ذكر عنه : التكبير مع كل حصاة ، إلا أن يكون بمفهومه ، فإن قوله : يكبر مع كل حصاة يدل على أنه قطع التلبية من أول حصاة ، وصرح به البيهقي في " المعرفة " ، فقال بعد أن ذكره من جهة مسلم : وفيه دلالة على أنه قطع التلبية بأول حصاة ، ثم كان يكبر مع كل حصاة انتهى كلامه . وروي في " السنن " من حديث ابن مسعود ، قال : { رمقت النبي عليه السلام فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة بأول حصاة }انتهى .

                                                                                                        الحديث الحادي والستون : روى جابر { أنه عليه السلام قطع التلبية عند أول حصاة رمى بها جمرة العقبة } ، قلت : هو مفهوم ما في حديث جابر الطويل : { حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة ، فرماها بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة } ، الحديث . وتقدم صريحا عن ابن مسعود عند البيهقي . [ ص: 168 ] قوله : ويأخذ الحصى من أي موضع شاء ، لا من عند الجمرة ، لأن ما عندها من الحصى مردود ، هكذا جاء في الأثر ، فيتشاءم به ، قلت : فيها أحاديث : فمنها ما أخرجه الحاكم في " المستدرك " ، والدارقطني في " سننه " عن يزيد بن سنان عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه { أبي سعيد ، قال : قلنا : يا رسول الله ، هذه الجمار التي يرمى بها كل عام ، فتحسب أنها تنقص ، فقال : إنه ما يقبل منها رفع ، ولولا ذلك لرأيتها أمثال الجبال }انتهى .

                                                                                                        قال الحاكم : حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، ويزيد بن سنان ليس بالمتروك انتهى .

                                                                                                        وأعله الشيخ في " الإمام " بيزيد بن سنان ، وقال : فيه مقال انتهى .

                                                                                                        وقال صاحب " التنقيح " : هذا حديث لا يثبت ، فإن أبا فروة يزيد بن سنان ضعفه الإمام أحمد ، والدارقطني ، وغيرهما ، وتركه النسائي ، وغيره ، وذكره الحاكم في " كتاب الضعفاء " ، والله أعلم انتهى .

                                                                                                        قلت : رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " موقوفا ، فقال : حدثنا ابن عيينة عن سليمان بن المغيرة القيسي عن أبي نعيم عن أبي سعيد الخدري ، قال : ما يقبل من حصى الجمار رفع انتهى .

                                                                                                        وكذلك رواه أبو نعيم في " كتاب دلائل النبوة " .

                                                                                                        [ ص: 169 ] حديث آخر } : أخرجه أبو نعيم في " كتاب دلائل النبوة " عن عبد الله بن خراش عن العوام عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما قبل حج امرئ إلا رفع حصاه }انتهى .

                                                                                                        وأخرجه ابن عدي في " الكامل " عن عبد الله بن خراش عن واسط بن الحارث عن نافع به ، سواء ، وأعله ابن عدي بواسط ، وقال : عامة حديثه لا يتابع عليه انتهى . قلت : فقد تابعه العوام ، كما رواه أبو نعيم .

                                                                                                        { حديث آخر } موقوف : رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " حدثنا أبو عامر العقدي ثنا شعبة عن عباس العامري ، قال : سمعت عبد الله بن باباه يحدث عن ابن عباس أنه قال في حصاة الجمار : ما يقبل منه رفع ، وما لم يتقبل منه ترك انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا ابن عيينة عن فطر عن أبي الطفيل عن ابن عباس بنحوه ، ورواه الأزرقي في " تاريخ مكة " حدثني جدي أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي أنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس بنحوه .




                                                                                                        الخدمات العلمية