الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( والمرأة في جميع ذلك كالرجل ) لأنها مخاطبة كالرجل ( غير أنها لا تكشف رأسها ) لأنه عورة ( وتكشف وجهها ) لقوله عليه الصلاة والسلام [ ص: 189 ] { إحرام المرأة في وجهها }( ولو سدلت شيئا على وجهها وجافته عنه جاز ) هكذا روي عن عائشة رضي الله عنها ، ولأنه بمنزلة الاستظلال بالمحمل ( ولا ترفع صوتها بالتلبية ) لما فيه من الفتنة ( ولا ترمل ولا تسعى بين الميلين ) لأنه [ ص: 190 ] مخل بستر العورة ( ولا تحلق ولكن تقصر ) لما روي { أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى النساء عن الحلق وأمرهن بالتقصير }ولأن حلق الشعر في حقها مثله كحلق اللحية في حق الرجل ( وتلبس من المخيط ما بدا لها ) لأن في لبس غير المخيط كشف العورة . قالوا ولا تستلم الحجر إذا كان هناك جمع لأنها ممنوعة عن مماسة الرجال إلا أن تجد الموضع خاليا .

                                                                                                        [ ص: 188 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 188 ] الحديث الخامس والثمانون : قال عليه السلام : { إحرام المرأة في وجهها } ، قلت : أخرجه البيهقي في " سننه " من حديث ابن عمر مرفوعا : { إحرام الرجل في رأسه ، وإحرام المرأة في وجهها } ، وقد تقدم في " الإحرام " .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الدارقطني ، ثم البيهقي في " سننيهما " عن أيوب بن محمد أبي الجمل عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ليس على المرأة إحرام إلا في وجهها }انتهى .

                                                                                                        وكذلك رواه الطبراني في " معجمه " ، قال الدارقطني في " علله " : أيوب هذا ضعيف ، وقد خالفه جماعة : كابن عيينة ، وهشام بن حسان ، وعلي بن مسهر ، وعبد الرحمن بن سليمان ، وابن نمير ، وإسحاق الأزرق ، وغيرهم ، فرووه عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا ، وهو الصواب انتهى .

                                                                                                        وقال البيهقي : وأبو الجمل ضعيف عند أهل العلم بالحديث ، والمحفوظ موقوف ، انتهى .

                                                                                                        وقال ابن القطان في " كتابه " : أيوب بن محمد أبو الجمل مختلف ، فقال : أبو زرعة منكر الحديث ، وقال أبو حاتم ، لا بأس به ، فخرج من هذا أن حديثه غير صحيح انتهى كلامه . ورواه ابن عدي في " الكامل " ، والعقيلي في " ضعفائه " ، وأعلاه بأبي الجمل [ ص: 189 ] وقال : لا يتابع على رفعه ، إنما يروى موقوفا انتهى .

                                                                                                        قوله : ولو أسدلت على وجهها شيئا ، وجافته عنه جاز ، هكذا روي عن عائشة رضي الله عنها ، قلت : أخرجه أبو داود ، وابن ماجه عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن عائشة ، قالت : كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات ، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه ، انتهى . أخرجه أبو داود عن هشيم عن يزيد به ، وأخرجه ابن ماجه عن محمد بن فضيل ، وعبد الله بن إدريس عنه ، قال في " الإمام " : وكذلك رواه أبو عوانة ، وعلي بن عاصم عن يزيد ، وخالفهم ابن عيينة عن يزيد ، فقال : عن مجاهد عن أم سلمة ، ومع ذلك في زيد فيه ضعف ، تكلم فيه غير واحد ، وأخرج له مسلم في جماعة غير محتج به انتهى .

                                                                                                        قلت : حديث علي بن عاصم عند الدارقطني في " سننه " ، قال الدارقطني : وخالفه سفيان بن عيينة ، فقال : عن مجاهد عن أم سلمة ، ثم أخرج كذلك ، ورواه الطبراني في " معجمه " عن سفيان بن عيينة ، نحو الدارقطني . واعلم أن سماع مجاهد من عائشة رضي الله عنهامختلف فيه ، فأنكره يحيى بن معين ، ويحيى بن سعيد القطان ، وشعبة ، وقال أبو حاتم : مجاهد عن عائشة مرسل فقد ثبت عند البخاري ، ومسلم سماعه منها ، وأخرجا له عن عائشة أحاديث في بعضها ما يدل على سماعه منها ، نحو ما رواه منصور عن مجاهد ، قال : دخلت أنا ، وعروة بن الزبير المسجد ، فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة ، والناس يصلون الضحى في المسجد ، فسألناه عن صلاتهم ، فقال : بدعة ، فقال له عروة : يا أبا عبد الرحمن كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أربع عمر : إحداهن في رجب ، فكرهنا أن نكذبه ، ونرد عليه ، وسمعنا استنان عائشة في الحجرة ، فقال عروة : ألا تسمعين يا أم المؤمنين إلى ما يقول أبو عبد الرحمن ؟ فقالت : وما يقول ؟ قال : يقول : اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر إحداهن [ ص: 190 ] في رجب ، فقالت : يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو معه ، وما اعتمر في رجب قط انتهى . أخرجه مسلم في " الحج " ، والبخاري في " المغازي في غزوة خيبر في باب عمرة القضاء " ، وظاهر هذا أنه سمع منها ، ولو لم يكن عند البخاري كذلك لما أخرجه ، لأنه يشترط اللقاء ، وسماع الراوي ممن روى عنه مرة واحدة فصاعدا ، ولا خلاف في إدراك مجاهد لعائشة ، وأخرج مسلم أيضا عن ابن نجيح عن مجاهد عن { عائشة ، قالت : حضت بسرف ، فطهرت بعرفة ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجتك }انتهى .

                                                                                                        ومسلم إنما يعتبر التعاصر وإمكان السماع ما لم يقم دليل على خلافه ، مع أنه أخرجه من رواية طاوس عن عائشة بإسناد لا خلاف في اتصاله ، وأخرج النسائي في " سننه " عن موسى الجهني ، قال : { أتي مجاهد بقدح حزرته ثمانية أرطال ، فقال : حدثتني عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بمثل هذا }انتهى .

                                                                                                        وهذا صريح في سماعه منها ، وقال ابن حبان في " صحيحه " في النوع الثالث والأربعين ، من القسم الثاني : من زعم أن مجاهدا لم يسمع من عائشة كان واهما ، ماتت عائشة في سنة سبع وخمسين ، وولد مجاهد في سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر انتهى كلامه . وقال ابن القطان في " كتابه " : ذكر الدوري عن ابن معين ، قال : كان يحيى بن سعيد القطان ينكر سماع مجاهد عن عائشة ، وقال القطان : كان شعبة ينكره أيضا ، ذكره الترمذي في " العلل " ، وذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه ، قال : كان شعبة ينكره ، وقال ابن أبي حاتم : روى عن عائشة مرسلا ، انتهى كلامه . وقال غيره : وقد ثبت عن البخاري ، ومسلم سماع مجاهد من عائشة ، فلا يلتفت إلى من نفاه .

                                                                                                        الحديث السادس والثمانون : روي { أنه عليه السلام نهى النساء عن الحلق ، وأمرهن بالتقصير } ، قلت : غريب بهذا اللفظ ، وكأنه حديث مركب ، فنهي النساء عن الحلق فيه أحاديث : منها ما رواه الترمذي في " الحج " ، والنسائي في " الزينة " ، قالا : حدثنا محمد بن موسى الحرشي [ ص: 191 ] عن أبي داود الطيالسي عن همام عن قتادة عن خلاس بن عمرو عن علي ، قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها }انتهى . ثم رواه الترمذي عن محمد بن بشار عن أبي داود الطيالسي به عن خلاس عن النبي مرسلا ، وقال : هذا حديث فيه اضطراب ، وقد روي عن حماد بن سلمة عن قتادة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا انتهى .

                                                                                                        وقال عبد الحق في " أحكامه " : هذا حديث يرويه همام عن يحيى عن قتادة عن خلاس بن عمرو عن علي ، وخالفه هشام الدستوائي ، وحماد بن سلمة ، فروياه عن قتادة عن النبي عليه السلام مرسلا .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه البزار في " مسنده " عن معلى بن عبد الرحمن الواسطي ثنا عبد الحميد بن جعفر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنهاأن { النبي عليه السلام نهى أن تحلق المرأة رأسها }انتهى .

                                                                                                        قال البزار : ومعلى بن عبد الرحمن الواسطي روى عن عبد الحميد بأحاديث لم يتابع عليها ، ولا نعلم أحدا تابعه على هذا الحديث ، انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن عدي في " الكامل " ، وقال أرجو أنه لا بأس به ، قال عبد الحق : وضعفه أبو حاتم ، وقال : إنه متروك الحديث انتهى .

                                                                                                        وقال ابن حبان في " كتاب الضعفاء : يروي عن عبد الحميد بن جعفر المقلوبات ، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه البزار في مسنده " أيضا حدثنا عبد الله بن يوسف الثقفي ثنا روح بن عطاء بن أبي ميمون ثنا أبي عن وهب بن عمير ، قال : سمعت عثمان يقول : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها }انتهى .

                                                                                                        قال البزار : ووهب بن عمير لا نعلمه روى غير هذا الحديث ، ولا نعلم حدث عنه ، إلا عطاء بن أبي ميمونة ، وروح ليس بالقوي انتهى .

                                                                                                        حديث مخالف لما تقدم : روى ابن حبان في " صحيحه " في النوع الحادي عشر ، [ ص: 192 ] من القسم الخامس ، من حديث وهب بن جرير ثنا أبي سمعت أبا فزارة يحدث عن يزيد بن الأصم { عن ميمونة أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها حلالا ، وبنى بها ، وماتت بسرف ، فدفنها في الظلة التي بنى بها فيها ، فنزلنا قبرها أنا ، وابن عباس ، فلما وضعناها في اللحد ، مال رأسها ، فأخذت ردائي فوضعته تحت رأسها ، فاجتذبه ابن عباس ، فألقاه ، وكانت قد حلقت رأسها في الحج ، فكان رأسها محجما }انتهى .

                                                                                                        وأما أمرهن بالتقصير ، فأخرجه أبو داود في " سننه " عن محمد بن بكر عن ابن جريج ، قال : بلغني عن صفية بنت شيبة ، قالت : أخبرتني أم عثمان أن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ليس على النساء الحلق ، إنما على النساء التقصير }انتهى .

                                                                                                        قال أبو داود : وحدثنا أبو يعقوب البغدادي ثقة ثنا هشام بن يوسف عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير عن صفية بنت شيبة به ، سواء ، قال ابن القطان في " كتابه " : هذا ضعيف ومنقطع ، أما الأول فانقطاعه من جهة ابن جريج قال : بلغني عن صفية ، فلم يعلم من حدثه به . وأما الثاني : فقول أبي داود : حدثنا رجل ثقة يكنى أبا يعقوب وهذا غير كاف ، وإن قيل : إنه أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن أبي إسرائيل ، فذاك رجل تركه الناس ، لسوء رأيه ، وأما ضعفه ، فإن أم عثمان بنت أبي سفيان لا يعرف حالها انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الدارقطني أيضا في " سننه " ، والطبراني في " معجمه " عن أبي بكر بن عياش عن يعقوب بن عطاء عن صفية بنت شيبة به ، وأخرجه الدارقطني أيضا ، والبزار في " مسنده " عن حجاج بن محمد عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير عن صفية به ، قال البزار : لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا من هذا الوجه ، انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الدارقطني في " سننه " عن ليث عن نافع عن ابن عمر ، قال في المحرمة : تأخذ من شعرها قدر السبابة انتهى .

                                                                                                        وليث هذا الظاهر أنه ليث بن أبي سليم ، وهو ضعيف .




                                                                                                        الخدمات العلمية