الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولا يقام شيء من ذلك في المسجد ; لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا تقام الحدود في المساجد } وهذا نص في الباب ; ولأن تعظيم المسجد واجب ، وفي إقامة الحدود فيه ترك تعظيمه ، يؤيده أنا نهينا عن سل السيوف في المساجد ، قال : عليه الصلاة والسلام { جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وبياعاتكم وأشريتكم وسل سيوفكم تعظيما للمسجد } ومعلوم أن سل السيف في ترك التعظيم دون الجلد والرجم فلما كره ذلك ; فلأن يكره هذا أولى ; ولأن إقامة الحدود في المسجد لا تخلو عن تلويثه ; فتجب صيانة المسجد عن ذلك ، وينبغي أن تقام الحدود كلها في ملإ من الناس ; لقوله تبارك وتعالى - عز اسمه - { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } والنص وإن ورد في حد الزنا ، لكن النص الوارد فيه يكون واردا في سائر الحدود دلالة ; لأن المقصود من الحدود كلها واحد وهو زجر العامة ، وذلك [ ص: 61 ] لا يحصل إلا وأن تكون الإقامة على رأس العامة ; لأن الحضور ينزجرون بأنفسهم بالمعاينة والغيب ينزجرون بإخبار الحضور فيحصل الزجر للكل ، وكذا فيه منع الجلاد من المجاوزة عن الحد الذي جعل له ; لأنه لو جاوز لمنعه الناس عن المجاوزة ، وفيه أيضا دفع التهمة والميل فلا يتهمه الناس أن يقيم الحد عليه بلا جرم سبق منه ، والله - تعالى - الموفق .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية