الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) بيان من تجب عليه الغرة فالغرة تجب على العاقلة لما روينا من الحديث أنه عليه الصلاة والسلام { قضى على عاقلة الضاربة بالدية وبغرة الجنين } .

                                                                                                                                وروي أن عاقلة الضاربة قالوا : أندي من لا صاح ولا استهل ولا شرب ولا أكل ، ودم مثل هذا بطل ؟ وهذا يدل على أن القضاء بالدية كان عليهم [ ص: 326 ] حيث أضافوا الدية إلى أنفسهم على وجه الإنكار ولأنها بدل نفس فكانت على العاقلة كالدية ( وأما ) من تجب له فهي ميراث بين ورثة الجنين على فرائض الله تبارك وتعالى عند عامة العلماء .

                                                                                                                                وقال مالك - رحمه الله - أنها لا تورث وهي للأم خاصة ( وجه ) قوله أن الجنين في حكم جزء من أجزاء الأم فكانت الجناية على الأم فكان الأرش لها كسائر أجزائها .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن الغرة بدل نفس الجنين ، وبدل النفس يكون ميراثا كالدية ( والدليل ) على أنها بدل نفس الجنين لا بدل جزء من أجزاء الأم أن الواجب في جنين أم الولد ما هو الواجب في جنين الحرة .

                                                                                                                                ولا خلاف في أن جنين أم الولد جزء ولو كان في حكم عضو من أعضاء الأم لكان جزءا من الأم حرا ، وبقية أجزائها أمة ، وهذا لا يجوز ( والدليل ) عليه أنه عليه الصلاة والسلام { قضى بدية الأم على العاقلة وبغرة الجنين } ، ولو كان في معنى أجزاء الأم لما أفرد الجنين بحكم بل دخلت الغرة في دية الأمة كما إذا قطعت يد الأم فماتت أنه تدخل دية اليد في النفس .

                                                                                                                                وكذا لما أنكرت عاقلة الضاربة حمل الدية إياهم فقالت : أندي من لا صاح ولا استهل ولا شرب ولا أكل ومثل دمه يطل ؟ لم يقل لهم النبي عليه الصلاة والسلام إني أوجبت ذلك بجناية الضاربة على المرأة لا بجنايتها على الجنين ولو كان وجوب الأرش فيه لكونه جزءا من أجزاء الأم لرفع إنكارهم بما قلنا فدل أن الغرة وجبت بالجناية على الجنين لا بالجناية على الأم فكانت معتبرة بنفسه لا بالأم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية