الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مسألة

" وتغسل فرجها وتعصبه "

لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة : " فإذا أدبرت الحيضة فاغسلي عنك الدم وصلي " ، وقال لحمنة : " أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم " ، قالت : إنه أكثر من ذلك ، قال : " فاتخذي ثوبا " ، قالت : هو أشد من ذلك ، قال : [ ص: 491 ] " فتلجمي " . وقال في حديث أم سلمة للمستحاضة : " لتستثفر بثوب " . قال الخطابي : " هو أن تشد ثوبا تحتجز به يمسك موضع الدم لمنع السيلان " . فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الدم ، وأمر بما يوجب حبس الدم عن السيلان من احتشاء أو شد أو تعصيب حسب الإمكان ، وذلك لأنه نجاسة وحدث أمكنت الصلاة بدونها ، فوجب الاحتراز منه كغير المعذور ، وإن غلب الدم وخرج بعد إحكام الشد والتلجم لم يضر ؛ ولما روت عائشة رضي الله عنها قالت : " اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه ، فكانت ترى الدم والصفرة ، والطست تحتها وهي تصلي " رواه البخاري .

وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت أبي حبيش : " اجتنبي الصلاة أيام محيضك ثم اغتسلي وتوضئي لكل صلاة وصلي ، وإن قطر الدم على الحصير " رواه أحمد ، وابن ماجه ، والدارقطني .

وكان عمر رضي الله عنه لما طعن يصلي ، وجرحه يشخب دما . احتج به الإمام أحمد ، ورواه هو وغيره . وقال إسحاق : " كان زيد بن ثابت به [ ص: 492 ] سلس البول ، وكان يداويه ما استطاع ، فإذا غلبه توضأ ولا يبالي ما أصاب ثوبه " ، ولأن هذا أقصى ما يمكنه ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، ولا إعادة عليه ؛ لأنه فعل ما أمر به ، ولأنه عذر يتصل به ويدوم ، ففي إيجاب الإعادة مشقة ، ويجب إعادة غسل الدم والتعصيب لوقت كل صلاة ؛ كالوضوء في أحد الوجهين ، سواء ظهر الدم في ظهر العصابة أو كان بباطنها ، والآخر : لا يجب ، وهو أقوى ؛ لأن في غسل العصائب كل وقت وتجفيفه أو إبداله بطاهر - مشقة كبيرة ؛ بخلاف الوضوء ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمرها بالوضوء لكل صلاة لم يذكر غسل الدم وعصب الفرج .

التالي السابق


الخدمات العلمية