الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

والأحمر كالأسود في غير المستحاضة ؛ لأنه دم مثله ، وقيل : يعتبر السواد في حق المبتدأة ، فلا تكون بالغة بالأحمر ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " دم الحيض أسود يعرف " ، ولأن المبتدأة لا عادة لها ، فيكون السواد دليل الحيضة ، والأول هو المشهور ؛ لأن الأحمر إذا جاء في العادة بدل الأسود كان حيضا ، فإذا لم يخالف صفة متقدمة فهو أولى بذلك ، بخلاف الصفرة والكدرة ، فإنه لا تجيء الحيضة منها وحدها قط ، فأما الصفرة والكدرة فهي في زمن العادة حيض يتقدمها حمرة وسواد أو لم يتقدمها ، وفيما خرج عن العادة ليست بحيض ، تكررت منها أو لم تتكرر ، بل يكفي فيها الوضوء ، [ ص: 507 ] وعنه ما يدل على أنها إن تكررت كانت حيضا ، واختاره القاضي في المجرد وابن عقيل ؛ لأنها بالتكرر تصير كما لو كانت في العادة بخلاف ما تراه بعد الطهر ، فإنها لا تلتفت إليه لو كان دما ، ولأن الصفرة والكدرة من ألوان الدم ، فأشبه السواد والحمرة . وقد روي عن أسماء بنت أبي بكر ما يشبه ذلك ، ووجه الأول قوله في التي ترى ما يريبها بعد الطهر : " إنما هو عرق أو عروق " ، وقالت أم عطية : " كنا لا نعد الكدرة والصفرة شيئا " رواه البخاري ، وفي لفظ لأبي داود : " بعد الطهر " ، وهذا يبين أنه قبل الطهر حيض .

كما رواه أحمد عن عائشة : " إن نساءكن يرسلن بالدرجة فيها الشيء من الصفرة إليها ، فتقول : لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء " ، قال أحمد : " القصة شيء يتبع الحيضة أبيض ، لا يكون فيه صفرة ولا كدرة " ، وقال أيضا : " تدخل القطنة ، فتخرج عليها نقطة بيضاء تكون على أثر الدم ، هي علامة الطهر " وقال في رواية أخرى : " القصة البيضاء : إذا استدخلت القطنة فخرجت بيضاء ليس عليها شيء " وكذلك قال الأزهري .

والقصة بضم القاف : القطنة التي تحشوها المرأة ، فإذا خرجت بيضاء لا تغير عليها فهي القصة . ورواه البخاري عن عائشة قالت : " في الصفرة [ ص: 508 ] والكدرة إذا كانت واصلة بالحيض فهي بقية من الحيض لا تصلي حتى ترى الطهر الأبيض ، وإذا رأت الطهر الأبيض ثم رأت الصفرة والكدرة بعد ذلك فإنما تلك الترية ، تتوضأ وتصلي " .

قال إسحاق بن راهويه : " إذا رأت الطهر الأبيض ثم رأت صفرة أو كدرة مستلزما بحيضها في أيام أقرائها فذلك حيض كله " .

قال : " ولا اختلاف بين أهل العلم في ذلك " . وروى حرب عن عائشة قالت : " إذا رأت بعد الطهر صفرة أو كدرة توضأت وصلت ، وإن رأت دما أحمر اغتسلت وصلت " وهذا يبين أن حكمه مخالف لحكم الدم الأحمر ، تكرر أو لم يتكرر ، ولأنه عدم اللون والعادة ، فضعف كونه حيضا ، وهو وحده لا يكاد يتكرر وإن فرض ذلك فهو نادر ، ولو رأت المبتدأة صفرة أو كدرة لم تلتفت إليه لما تقدم ، وقد روي ذلك عن عائشة ، وقال القاضي وغيره : " تجلسه بناء على أن اليوم والليلة للمبتدأة كالعادة للمعتادة " . وبنى على هذا بعض أصحابنا أنها لو رأت الصفرة والكدرة خارج العادة كان حكمها حكم الدم العبيط في أنها تحسبها حيضا على رواية ، لما روي عن أسماء .

والأول هو المنصوص عنه ، إذ الصفرة والكدرة ليست بنفسها حيضا ، لا سيما إذا وردت على طهر متيقن .

التالي السابق


الخدمات العلمية