الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2836 ) فصل : وإن باع شيئا فيه الربا ، بعضه ببعض ، ومعهما ، أو مع أحدهما من غير جنسه ، كمد ودرهم بمد ودرهم ، أو بمدين ، أو بدرهمين . أو باع شيئا محلى بجنس حليته ، فهذه المسألة تسمى مسألة مد عجوة . والمذهب أنه لا يجوز ذلك . نص على ذلك أحمد ، في مواضع كثيرة ، وذكره قدماء الأصحاب ، قال ابن أبي موسى في السيف المحلى والمنطقة والمراكب المحلاة بجنس ما عليها : لا يجوز ، قولا واحدا .

                                                                                                                                            وروي هذا عن سالم بن عبد الله ، والقاسم بن محمد ، وشريح ، وابن سيرين وبه قال الشافعي ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وعن أحمد ، رواية أخرى ، تدل على أنه يجوز بشرط أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره ، أو يكون مع كل واحد منهما من غير جنسه ، فإن مهنا نقل عن أحمد في بيع الزبد باللبن ، يجوز ، إذا كان الزبد المنفرد أكثر من الزبد الذي في اللبن .

                                                                                                                                            وروى حرب ، قال : قلت لأحمد : دفعت دينارا كوفيا ودرهما ، وأخذت دينارا شاميا ، وزنهما سواء ، لكن الكوفي أوضع ؟ قال : لا يجوز ، إلا أن ينقص الدينار ، فيعطيه بحسابه فضة . وكذلك روى عنه محمد بن أبي حرب الجرجرائي . وروى الميموني أنه سأله : لا يشتري السيف والمنطقة حتى يفصلها ؟ فقال : لا يشتريها حتى يفصلها . إلا أن هذا أهون من ذلك ; لأنه قد يشتري أحد النوعين بالآخر يفصله وفيه غير النوع الذي يشتري به ، فإذا كان من فضل الثمن ، إلا أن من ذهب إلى ظاهر القلادة لا يشتريه حتى يفصله . قيل له : فما تقول أنت ؟ قال : هذا موضع نظر .

                                                                                                                                            وقال أبو داود : سمعت أحمد سئل عن الدراهم المسيبية ، بعضها صفر وبعضها فضة ، بالدراهم ؟ قال : لا أقول فيه شيئا ، قال أبو بكر : روى هذه المسألة عن أبي عبد الله خمسة عشر نفسا . كلهم اتفقوا على أنه لا يجوز حتى يفصل ، إلا الميموني . ونقل مهنا كلاما آخر .

                                                                                                                                            وقال حماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة : يجوز . هذا كله إذا كان المفرد أكثر من الذي معه غيره ، أو كان مع كل واحد منهما من غير جنسه .

                                                                                                                                            وقال الحسن : لا بأس ببيع السيف المحلى بالفضة بالدراهم . وبه قال الشعبي ، والنخعي ، واحتج من أجاز ذلك بأن العقد إذا أمكن حمله على الصحة ، لم يحمل على الفساد ; لأنه لو اشترى لحما من قصاب ، جاز مع احتمال كونه ميتة . ولكن وجب حمله على أنه مذكى ، تصحيحا للعقد . ولو اشترى من إنسان شيئا ، جاز ، مع احتمال كونه غير ملكه ، ولا إذن له في بيعه ، تصحيحا للعقد أيضا .

                                                                                                                                            وقد أمكن التصحيح هاهنا ، بجعل الجنس في مقابلة غير الجنس ، أو جعل غير الجنس في مقابلة الزائد على المثل . ولنا ، ما روى فضالة بن عبيد ، قال : { أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقلادة فيها ذهب وخرز ، ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو سبعة دنانير ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا ، حتى تميز بينهما } . قال : فرده حتى ميز بينهما . رواه أبو داود . وفي لفظ رواه مسلم . قال : فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الذهب [ ص: 45 ] بالذهب وزنا بوزن } .

                                                                                                                                            ولأن العقد إذا جمع عوضين مختلفي الجنس ، وجب أن ينقسم أحدهما على الآخر ، على قدر قيمة الآخر في نفسه ، فإذا اختلفت القيمة اختلف ما يأخذه من العوض . بيانه أنه إذا اشترى عبدين ، قيمة أحدهما مثل نصف قيمة الآخر بعشرة ، كان ثمن أحدهما ثلثي العشرة ، والآخر ثلثها ، فلو رد أحدهما بعيب ، رده بقسطه من الثمن ، ولذلك إذا اشترى شقصا وسيفا بثمن أخذ الشفيع الشقص بقسطه من الثمن ، فإذا فعلنا هذا في من باع درهما ومدا قيمته درهمان ، بمدين قيمتهما ثلاثة ، حصل الدرهم في مقابلة ثلثي مد .

                                                                                                                                            والمد الذي مع الدرهم في مقابلة مد وثلث ، فهذا إذا تفاوتت القيم ، ومع التساوي يجهل ذلك ; لأن التقويم ظن وتخمين ، والجهل بالتساوي كالعلم بعدمه في باب الربا ، ولذلك لم يجز بيع صبرة بصبرة ، بالظن والخرص . وقولهم : يجب تصحيح العقد . ليس كذلك ، بل يحمل على ما يقتضيه من صحة وفساد . ولذلك لو باع بثمن وأطلق ، وفي البلاد نقود بطل ، ولم يحمل على نقد أقرب البلاد إليه ، أما إذا اشترى من إنسان شيئا فإنه يصح ; لأن الظاهر أنه ملكه ; لأن اليد دليل الملك . وإذا باع لحما فالظاهر أنه مذكى ; لأن المسلم ، في الظاهر ، لا يبيع الميتة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية