الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( ويكره أن يتخطى رقاب الناس ) لما روى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر رأى رجلا يتخطى رقاب الناس فقال : { اجلس فقد آذيت } ولما فيه من سوء الأدب والأذى ( إلا أن يكون إماما فلا ) يكره أن يتخطى رقاب الناس ( للحاجة ) لتعيين مكانه ، وألحق به في الغنية المؤذن ( أو يرى ) غير الإمام ( فرجة لا يصل إليها إلا به ) أي بالتخطي فلا يكره لأنهم أسقطوا حق أنفسهم بتأخرهم .

                                                                                                                      ( ويحرم أن يقيم غيره فيجلس مكانه ، ولو عبده ) الكبير ( أو ولده الكبير ) لأنه ليس بمال .

                                                                                                                      وإنما هو حق ديني فاستوى فيه السيد وعبده والوالد وولده ( أو كانت عادته الصلاة فيه حتى المعلم ونحوه ) كالمفتي والمحدث ، ومن يجلس للمذاكرة في الفقه إذا جلس [ ص: 45 ] إنسان موضع حلقته حرم عليه إقامته ، لما روى عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه } متفق عليه ولكن يقول : افسحوا قاله في التلخيص ، لحديث مسلم عن جابر مرفوعا { لا يقيم أحدكم أخاه يوم الجمعة ، ثم يخالف إلى مقعده ولكن ليقل : افسحوا } ولأن المسجد بيت الله ، والناس فيه سواء ( إلا الصغير ) حرا ، كان أو عبدا ، فيؤخر لما تقدم قال في التنقيح .

                                                                                                                      ( وقواعد المذهب : تقتضي عدم الصحة ) أي صحة صلاة من أخر مكلفا وجلس مكانه ، لشبهه الغاصب ( إلا من جلس بموضع يحفظه له ) أي لغيره ( بإذنه أو دونه ) لأن النائب يقوم باختياره قاله في الشرح ، ولأنه قعد فيه لحفظه له ، ولا يحصل ذلك إلا بإقامته .

                                                                                                                      لكن إن جلس في مكان الإمام أو طريق المارة أو استقبل المصلين في مكان ضيق أقيم قاله أبو المعالي .

                                                                                                                      ( ويكره إيثاره ) غيره ( بمكانه الأفضل ) ويتحول إلى ما دونه ( كالصف الأول ونحوه ) وكيمين الإمام لما في ذلك من الرغبة عن المكان الأفضل وظاهره : ولو آثر به والده ونحوه و ( لا ) يكره للمؤثر ( قبوله ) المكان الأفضل ولا رده قال سندي : رأيت الإمام أحمد قام له رجل من موضعه فأبى أن يجلس فيه وقال له : ارجع إلى موضعك فرجع إليه ( فلو آثر ) الجالس بمكان أفضل ( زيدا فسبقه إليه عمرو حرم ) على عمرو سبقه إليه لأنه قام مقامه أشبه ما لو تحجر مواتا ، ثم آثر به غيره وهذا بخلاف ما لو وسع لرجل في طريق فمر غيره ، لأنها جعلت للمرور فيها والمسجد جعل للإقامة فيه .

                                                                                                                      ( وإن وجد مصلى مفروشا فليس له رفعه ) لأنه كالنائب عنه ، ولما فيه من الافتيات على صاحبه والتصرف في ملكه بغير إذنه والإفضاء إلى الخصومة ، وقاسه في الشرح على رحبة المسجد ، ومقاعد الأسواق ( ما لم تحضر الصلاة ) فله رفعه والصلاة مكانه لأنه لا حرمة له بنفسه .

                                                                                                                      وإنما الحرمة لربه ولم يحضر ، ( ولا الجلوس ولا الصلاة عليه ) وقدم في الرعاية يكره ، وجزم جماعة بتحريمه قال في شرح المنتهى : وليس له أن يدعه مفروشا ويصلي عليه فإن فعل فقال في الفروع ، في باب ستر العورة لو صلى على أرضه أو مصلاه بلا غصب ، صح النهي وتقدم هناك : جاز وصحت ولعل ما هناك إذا كان حاضرا ، أو صلى معه على مصلاه فلا يعارضه ما هنا لغيبته ، وفيه شيء قال في الفروع : ويتوجه إن حرم رفعه أي المصلى ( فله فرشه ) وإلا كره [ ص: 46 ] ( ومنع منه ) أي الفرش ( الشيخ ، لتحجره مكانا من المسجد ) كحفره في التربة المسبلة قبل الحاجة إليه .

                                                                                                                      ( ومن قام من موضعه ) من المسجد ( لعارض لحقه ثم عاد إليه قريبا فهو أحق به ) .

                                                                                                                      لما روى مسلم عن أبي أيوب مرفوعا { من قام من مجلسه ، ثم رجع إليه فهو أحق به } وقيده في الوجيز بما إذا عاد ولم يتشاغل بغيره ( ما لم يكن صبيا قام في صف فاضل أو في وسط الصف ) ثم قام لعارض ثم عاد ، فيؤخر كما لو لم يقم منه بالأولى ( فإن لم يصل ) العائد ( إليه ) أي إلى مكانه قريبا بعد قيامه منه لعارض ( إلا بالتخطي ، جاز ) له التخطي ( كالفرجة ) أي كمن رأى فرجة لا يصل إليها إلا به ذكره في الشرح وابن تميم .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية