الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( ولا زكاة في مغشوشها ، حتى يبلغ قدر ما فيه من الخالص ) ذهبا كان أو فضة ( نصابا ) نقل حنبل في دراهم مغشوشة ، فلو خلصت نقصت الثلث أو الربع : لا زكاة فيها لأن هذه ليست بمائتين هما فرض صلى الله عليه وسلم فإذا تمت ففيها الزكاة ( فإن شك : هل فيه ) أي المغشوش من ذهب أو فضة ( نصاب خالص ؟ خير بين سبكه وإخراج قدر زكاة نقده ، إن بلغ ) نقده ( نصابا وبين استظهاره ) أي احتياطه .

                                                                                                                      ( وإخراج زكاته بيقين ) ومتى ادعى رب المال أنه علم الغش أو أنه استظهر ، وأخرج الفرض قبل منه بلا يمين .

                                                                                                                      ( وإن وجبت الزكاة ) في المغشوش لتيقن بلوغ خالصه نصابا ( وشك في زيادة ) المغشوش على نصاب ( استظهر ) أي احتاط ، ليبرأ بيقين .

                                                                                                                      ( فألف ذهب وفضة مختلطة ستمائة من أحدهما ) وأربعمائة من الآخر ( واشتبه عليه من أيهما ؟ ) الستمائة ( وتعذر التمييز زكى ستمائة ذهبا وأربعمائة فضة ) لأنه يبرأ بذلك بيقين .

                                                                                                                      ( وإن أراد ) رب المال ( أن يزكي المغشوشة منها وعلم قدر الغش في كل دينار ) أو درهم ( جاز ) إخراج زكاتها منها للعلم بأداء الواجب .

                                                                                                                      ( وإلا ) أي وإن لم يعلم قدر ما في كل دينار أو درهم من الغش ( لم يجزئه ) إخراج زكاتها منها لأنه لا طريق له إذن إلى العلم بأداء الواجب ( إلا أن يستظهر فيخرج ) منها ( قدر الزكاة بيقين ) فيجزئه ، لانتفاء المانع .

                                                                                                                      ( وإن أخرج ) عنها ( مالا غش فيه فهو أفضل ) لأنه أنفع للفقراء ( ويعرف قدر غشه حقيقة بأن يدع ماء في إناء ) أسفله كأعلاه ( ثم يدع فيه ذهبا خالصا زنة المغشوش ، ويعلم علو الماء ) الذي في الإناء .

                                                                                                                      ( ثم يرفعه ) أي الذهب ، أي يخرجه من الماء ( ويضع بدله ) في الماء ( فضة خالصة زنة المغشوش ، ويعلم علو الماء ، وهو ) أي العلو عند وضع الفضة ( أعلى من ) العلو ( الأول ) عند وضع الذهب ( لأن الفضة أضخم من الذهب ، ثم يرفعها ) أي الفضة ( ويدع المغشوش ) في الماء ( ويعلم علو الماء ، ثم يمسح ) من المساحة ، أي [ ص: 231 ] يقيس ( ما بين العلامة الوسطى ) وهي علامة المغشوش .

                                                                                                                      ( و ) بين العلامة ( العليا ) علامة الفضة ( و ) يمسح ( ما بين العلامة الوسطى و ) العلامة ( السفلى ) وهي علامة الذهب ( فإن كان الممسوحان سواء ، فنصف المغشوش ذهب ونصفه فضة وإن زاد ) ذلك ( أو نقص ، فبحسابه فعلى هذا لو كان ما بين العليا إلى الوسطى ثلثي ما بين العلامتين ) للذهب والفضة الخالصين ( وما بين السفلى إلى الوسطى ثلثه كانت الفضة ثلثين والذهب الثلث وبالعكس ) .

                                                                                                                      بأن يكون ما بين العليا إلى الوسطى ثلث ما بين العلامتين وما بين السفلى إلى الوسطى : ثلثاه ( الذهب الثلثان ) والفضة الثلث إذ الارتفاع للفضة لضخامتها ، والانخفاض للذهب لثقله .

                                                                                                                      ( والأولى : أن يكون الإناء ضيقا ) لأن علو الماء فيه يظهر ويتضح ( ويتعين ) في الإناء ( أن يكون أعلاه وأسفله في السعة والضيق سواء كقصبة ) فارسية ( ونحوها ) ليتأتى ذلك العمل ( ولا زكاة في غشها ) أي الدنانير أو الدراهم المغشوشة ( إلا أن يكون ) الغش ( فضة ، فيضم إلى ما معه من النقد فضة كان أو ذهبا ) لما يأتي من أن أحد النقدين يضم إلى الآخر في تكميل النصاب ( ويكره ضرب نقد مغشوش واتخاذه نص عليه ) قال في رواية محمد بن عبيد الله المنادي : ليس لأهل الإسلام أن يضربوا إلا جيدا .

                                                                                                                      ( وتجوز المعاملة به ) أي بالنقد المغشوش ( مع الكراهة ، إذا أعلمه بذلك ) أي بكونها مغشوشة ( وإن جهل قدر الغش ) وكذا لو كان غشا معلوما كما يعلم مما يأتي في الربا وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتعاملون بدراهم العجم ، وكانوا إذا زافت عليهم أتوا بها إلى السوق فقالوا من يبيعنا بهذه ؟ " وذلك أنه لم يضرب النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ، ولا عمر ولا عثمان ، ولا علي ولا معاوية رضي الله عنهم .

                                                                                                                      قال في الفروع : ولعل عدم الكراهة ، أي في ضرب المغشوش : ظاهر ما ذكره جماعة قلت : فكذا في المعاملة خصوصا حيث عمت البلوى بها .

                                                                                                                      ( قال الشيخ : الكيمياء غش وهي تشبيه المصنوع من ذهب أو فضة بالمخلوق ) ذهبا أو فضة ( باطلة في العقل ) لاستحالة قلب الأعيان ( محرمة بلا نزاع بين علماء المسلمين ) لحديث { من غشنا فليس منا } .

                                                                                                                      ( ولو ثبتت على الروباض ) أي ما يستخرج به غش النقد ( ويقترن بها كثيرا السيمياء التي هي من السحر ، ومن طلب زيادة المال بما حرمه الله ) تعالى [ ص: 232 ] ( عوقب بنقيضه ، كالمرابي ) قال الله تعالى { يمحق الله الربا ويربي الصدقات } .

                                                                                                                      ( وهي ) أي الكيمياء ( أشد تحريما منه ) لتعدي ضررها ( ولو كانت حقا مباحا لوجب فيها خمس ) كالركاز ( أو زكاة ) كالزرع والثمر والمعدن .

                                                                                                                      ( ولم يوجب عالم فيها شيئا ) فدل على بطلانها .

                                                                                                                      ( والقول بأن قارون عملها باطل ولم يذكرها ، أو يعملها إلا فيلسوف ، أو اتحادي أو ملك ظالم وقال ) .

                                                                                                                      الشيخ ( ينبغي للسلطان أن يضرب لهم ) أي الرعايا ( فلوسا تكون بقيمة العدل في معاملاتهم من غير ظلم لهم ) تسهيلا عليهم ، وتيسيرا لمعاشهم ( ولا يتجر ذو السلطان في الفلوس ، بأن يشتري نحاسا فيضربه فيتجر فيه ) لأنه تضييق .

                                                                                                                      ( ولا بأن يحرم عليهم الفلوس التي بأيديهم ويضرب لهم غيرها ) لأنه إضرار بالناس ، وخسران عليهم ( بل يضرب ) النحاس فلوسا ( بقيمته من غير ربح فيه للمصلحة العامة ، ويعطي أجرة الصناع من بيت المال فإن التجارة فيها ظلم عظيم من أبواب ظلم الناس وأكل أموالهم بالباطل فإنه إذا حرم المعاملة بها صارت عرضا ، و ) إذا ضرب لهم فلوسا أخرى أفسد ما كان عندهم من الأموال بنقص أسعارها فظلمهم فيما يضربه بإغلاء سعرها قلت : وقد وقع ذلك في زمننا مرات ، وفسدت به أموال كثيرين ، وزاد عليهم الضرر .

                                                                                                                      ( وفي السنن لأبي داود وابن ماجه ورواه أيضا أحمد والحاكم عن عبد الله المزني عنه صلى الله عليه وسلم أنه { نهى عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس } ) .

                                                                                                                      نحو أن يختلف في شيء منها هل هو جيد أو رديء ؟ ( فإذا كانت ) الفلوس ( مستوية الأسعار بسعر النحاس ولم يشتر ولي الأمر النحاس والفلوس الكاسدة ليضربهما فلوسا ، ويتجر في ذلك حصل المقصود من الثمنية وكذلك الدراهم انتهى ) ولا مزيد على حسنه ولا يضرب لغير السلطان قال ابن تميم : يكره قال في الفروع كذا قال وقال أحمد ( في رواية جعفر بن محمد ) لا يصلح ضرب الدراهم إلا في دار الضرب بإذن السلطان لأن الناس إن رخص لهم ركبوا العظائم قال القاضي في الأحكام السلطانية فقد منع من الضرب بغير إذن السلطان ، لما فيه من الافتيات عليه ( ويخرج عن جيد صحيحا ورديئا من جنسه ) أي فيخرج عن جيد صحيح : جيدا صحيحا لأن إخراج غير ذلك خبيث فلم يجز ، وكالماشية .

                                                                                                                      ويخرج عن الرديء رديئا ، لأنها مواساة ( و ) إن كان المال أنواعا أخرج ( من كل [ ص: 233 ] نوع بحصته ) كالحب والتمر .

                                                                                                                      ( وإن أخرج بقدر الواجب من الأعلى ، كان أفضل ) لأنه أنفع للفقراء ( وإن أخرج عن الأعلى مكسرا ، أو مبهرجا ، وهو الرديء ، زاد قدر ما بينهما من الفضل وأجزأ ) هـ ذلك لأنه أدى الواجب عليه قدرا وقيمة ، أشبه ما لو أخرج من عينه .

                                                                                                                      ( وإن أخرج من الأعلى بقدر القيمة ) أي قيمة الواجب في الرديء ( دون الوزن ) كما لو أخرج ثلث دينار عن نصف رديء بقيمته ( لم يجزئه ) ذلك لمخالفة النص .

                                                                                                                      ( ويجزئ ) إخراج ( قليل القيمة عن كثيرها مع الوزن ) لتعلق الوجوب بالنوع وقد أخرج منه ( ويجزئ ) إخراج ( مغشوش عن جيد ) مع الفضل بينهما ( و ) إخراج ( مكسر عن صحيح ) مع الفضل بينهما ( و ) إخراج ( سود عن بيض مع الفضل بينهما ) لأنه أدى الواجب قدرا وقيمة وكما لو أدى من عينه والربا لا يجري بين العبد وربه ، كما لا يجري بين العبد وسيده .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية