الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( ويحرم فيه أي المسجد ) البيع والشراء والإجارة ; ( لأنها نوع من البيع ) للمعتكف وغيره ، وظاهره قل المبيع أو كثر احتاج إليه أو لا لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البيع والابتياع وعن تناشد الأشعار في المساجد } رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وحسنه .

                                                                                                                      ورأى عمران القصير رجلا يبيع في المساجد فقال : يا هذا إن هذا سوق الآخرة فإن أردت البيع فاخرج إلى سوق الدنيا " ( فإن فعل ) أي :باع أو اشترى في المسجد ( فباطل ) قال أحمد ، وإنما هذه بيوت الله لا يباع فيها ولا يشترى وجوز أبو حنيفة البيع وأجازه مالك والشافعي مع الكراهة ، وقطع بالكراهة في الفصول والمستوعب .

                                                                                                                      وفي الشرح في آخر كتاب البيع ( ويسن أن يقال له ) أي لمن باع أو اشترى في المسجد : ( لا أربح الله تجارتك ) ردعا له ، ( ولا يجوز التكسب فيه ) أي المسجد ( بالصنعة كخياطة وغيرها قليلا كان ) ذلك ( أو كثيرا لحاجة وغيرها ) وفي المستوعب .

                                                                                                                      سواء كان الصانع يراعي المسجد بكنس أو رش ونحوه أو لم يكن ; لأنه بمنزلة التجارة [ ص: 367 ] بالبيع والشراء ، ( ولا يبطل بهن ) أي : بالبيع والشراء والإجارة والتكسب بالصنعة ( الاعتكاف ) كسائر المحرمات التي لا تخرجه عن أهلية العبادة ( فلا يجوز أن يتخذ المسجد مكانا للمعايش ) ; لأنه لم يبن لذلك ( وقعود الصناع والفعلة فيه ينتظرون من يكريهم بمنزلة وضع البضائع فيه ينتظرون من يشتريها وعلى ولي الأمر منعهم من ذلك ) كسائر المحرمات ، ( وإن وقفوا ) أي الصناع والفعلة ( خارج أبوابه ) ينتظرون من يكريهم ( فلا بأس ) بذلك لعدم المحذور .

                                                                                                                      قال ( الإمام ) أحمد في رواية حنبل : ( لا أرى لرجل ) ومثله الخنثى والمرأة ( إذا دخل المسجد إلا أن يلزم نفسه الذكر والتسبيح فإن المساجد إنما بنيت لذلك وللصلاة ، فإذا فرغ من ذلك خرج إلى معاشه ) لقوله تعالى { : فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله } .

                                                                                                                      ( و ) يجب أن ( يصان ) المسجد عن عمل صنعة لتحريمها فيه كما تقدم ( ولا يكره اليسير ) من العمل في المسجد ( لغير التكسب كرقع ثوبه وخصف نعله ، سواء كان الصانع يراعي ) أن يتعهد ( المسجد بكنس ونحوه ) كرش ( أو لم يكن ) كذلك ( ويحرم ) فعل ذلك ( للتكسب كما تقدم إلا الكتابة ، فإن ) الإمام ( أحمد سهل فيها ولم يسهل في وضع النعش فيه ، قال القاضي سعد الدين الحارثي : لأن الكتابة نوع تحصيل للعلم فهي في معنى الدراسة ) ، وهذا يوجب التقيد بما لا يكون تكسبا ، وإليه أشار بقوله : فليس ذلك كل يوم ، انتهى كلام الحارثي قال في الآداب الكبرى : وظاهر ما نقل الأثرم : التسهيل في الكتابة مطلقا لما فيه من تحصيل العلم وتكثير كتبه .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية