الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال : ) وإذا جعل [ ص: 106 ] مهر امرأته طلاق أخرى كان النكاح جائزا بمهر مثلها ولم يكن الطلاق مهرا ، وكذلك إن جعل القصاص مهرا فقد وقع العفو ولها مهر مثلها عندنا . وقال الشافعي رحمه الله تعالى كلما يجوز أخذ العوض عنه بالشرط يصلح أن يكون مهرا ; لأن المقصود تحقق المعاوضة وأصل المسألة في تعليم القرآن ، فإن عنده تعليم القرآن يصلح أن يكون صداقا للحديث الذي روينا في قوله { زوجتكها بما معك من القرآن } ولكنا نقول : اشتراط صفة المالية في الصداق ثابت بالنص وهو قوله تعالى : { أن تبتغوا بأموالكم } وطلاق الضرة والعفو عن القصاص ليس بمال ، وكذلك تعليم القرآن وتأويل الحديث بحرمة ما معك من القرآن ، وعلى هذا الأصل قلنا : إذا أعتق أمته على أن يتزوجها ، ويكون العتق صداقا لها فزوجت نفسها منه فلها مهر مثلها ; لأن الإعتاق إبطال للرق ، فلا يصلح أن يكون صداقا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى ، وقد روي عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه جوز ذلك ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم { أعتق صفية بنت حي رضي الله عنها وتزوجها وجعل عتقها صداقا لها } ولكنا نقول : قد روي أنه تزوجها بمهر جديد ، ولو ثبت ذلك فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مخصوصا بالنكاح بغير مهر ، وعلى هذا لو تزوجها على أن يخدمها سنة ، فإن كان الزوج عبدا صحت التسمية لتضمنها تسليم المال إليها ، فإن رقبة العبد مال ، وإن كان الزوج حرا لم تصح التسمية ، هكذا ذكر في الجامع الصغير ، ونحوه روى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى أنه إذا تزوجها على أن يرعى غنمها سنة يجوز استدلالا بقصة موسى مع شعيب عليهما السلام ، فمن أصحابنا من فرق بينهما فقال : هي مأمورة بأن تعظمه وتراعي حقه ، وذلك ينعدم باستخدامها إياه ; فلهذا لم يجز أن تكون خدمتها صداقا ، وذلك لا يوجد في عمل الرعي .

ألا ترى أن الابن لا يستأجر أباه للخدمة ويستأجره لعمل آخر ، والأصح أن في الفصلين روايتين في إحدى الروايتين لا تصح التسمية ; لأن المنفعة ليست بمال واشتراطها من الحر لا يتضمن تسليم المال إليها ، وفي الرواية الأخرى تصح التسمية ; لأن المنفعة تأخذ حكم المالية عند العقد ، ولهذا لا يثبت الحيوان دينا في الذمة بمقابلتها ، فإذا لم تصح تسمية الخدمة فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى - لها مهر مثلها ; لأنه سمى مالا يصلح أن يكون صداقا لها فهو كتسمية الخمر ، وعند محمد رحمه الله تعالى لها قيمة خدمته ; لأن الخدمة متقومة عند العقد ، وإن لم تكن مالا ، فإذا تعذر سلامتها لها تجب قيمتها ، كما لو تزوجها على عبد فاستحق ثم قد بينا الفرق بينهما إذا تزوج المرأة على طلاق ضرتها [ ص: 107 ] وبين ما إذا تزوجها على أن يطلق ضرتها في حكم وقوع الطلاق على الضرة ، فكذا إذا تزوجها على القصاص حصل العفو بنفس العقد ، وإذا تزوجها على أن يعفو عن القصاص لم يسقط القصاص إلا بمباشرة العفو ، ولا يجبر على ذلك ، وكذلك إذا تزوجها على عتق أبيها عتق الأب بنفس العقد ، بخلاف ما إذا تزوجها على أن يعتق أباها ولها مهر مثلها ; لأن ما سمي صداقا من عتق الأب ليس بمال ، بخلاف ما إذا تزوجها على عتق أبيها عنها ; لأنه يتضمن تمليك رقبة الأب منها ، فإن العتق عنها لا يكون إلا بهذا الشرط ، ورقبة الأب مال يصلح أن يكون صداقا لها .

التالي السابق


الخدمات العلمية