الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما ثبت بهذا البرهان قدرته على الإعادة بعد الموت، عطف على قوله: لا يقدرون مما كسبوا على شيء قوله - بيانا لهو أن البعث عنده وسهولته عليه -: وبرزوا أي في ذلك اليوم، عبر بصيغة المضي الذي وجد وتحقق، لأن أخبار الملوك يجب تحققها لقدرتهم وغناهم عن الكذب، فكيف بملك الملوك! وفيه من هز النفس وروعتها ما ليس في العبارة بالمضارع لمن تأمل المعنى حق التأمل "لله" أي الملك الأعظم جميعا فكانوا بحيث لا يخفى منهم خافية على ما هو متعارفهم، لأنه لا ساتر لهم، فإن البروز خروج لشيء عما كان ملتبسا به إلى حيث يقع عليه الحس في نفسه، وبدا لهم [من الله] ما لم يكونوا يحتسبون من العذاب، فتقطعت بهم الأسباب فقال الضعفاء أي الأتباع [ ص: 404 ] من أهل الضلال بسبب علمهم أنهم في القبضة لا ملجأ لهم، تبكيتا لرؤسائهم [وتوبيخا]، تصديقا لقوله تعالى: الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين للذين استكبروا أي طلبوا الكبر وادعوه فاستتبعوهم به حتى تكبروا على الرسل وأتباعهم ولم يكن لهم ذلك. إنا كنا أي كونا هو كالجبلة لكم تبعا أي تابعين أو ذوي تبع فكنتم سبب ضلالنا، وقد جرت عادة الأكابر بالدفع عن أتباعهم المساعدين لهم على أباطيلهم فهل أنتم مغنون أي دافعون عنا من عذاب الله أي الذي له العظمة كلها فلا يطاق انتقامه، وأبلغوا بعد التبعيض بـ "من" الأولى في التقليل، فقالوا: من شيء كأن العذاب [كان] محتاجا إلى أخذهم فأغنوه بشيء غيرهم حتى يجاوزهم لو دفعوه عنهم، فكأنه قيل: إن ذلك لعادة الرؤساء، فماذا قالوا؟ فقيل: قالوا علما منهم بأنه لا طاقة لهم على نوع من أنواع التصرف: لا نغني عنكم شيئا، بل كل مجزي بما فعل، علينا إثم ضلالنا في أنفسنا وإضلالنا لكم، وعليكم ضلالكم وذبكم عنا وتقويتكم لجانبنا حتى استكبرنا [ ص: 405 ] فاستغرقنا في الضلال، ولو أن [الله] هداكم حتى تبعتم الأدلة التي سمعتموها كما سمعناها وتركتمونا، لكسر ذلك من شدتنا وأوهى من شوكتنا، فكان ربما يكون سببا لهدايتنا كما أنه لو هدانا الله أي المستجمع لصفات الكمال لهديناكم فكان يكون لنا جزاء اهتدائنا وهدايتنا لكم، ولكم جزاء اهتدائكم وتقويتكم لنا على ذلك، ولكنه لم يهدنا فضللنا وكنتم لنا تبعا فأضللناكم.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الموجب لقولهم هذا الجزع، قالوا: سواء علينا أي نحن وأنتم أجزعنا والجزع: انزعاج النفس بورود ما يغم أم صبرنا لا فائدة [لنا] في واحد منهما لأن الأمر أطم من ذلك فإنه ما لنا من محيص يصلح للمصدر والزمان والمكان، أي محيد وزوال عن المكروه على كلا التقديرين، فلم يبق في الجزاء إلا زيادة العذاب بسوء القالة وانتشار السبة، وهذا الاستفهام ليس على بابه، بل المراد به التنبيه على أنه حالهم مما ينبغي السؤال عنه وترديد الأمر فيه لينتهي عن مثله.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية