الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 225 ] فصل : وكذلك في " الإرادة " و " المحبة " كقوله تعالى : { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } . وقوله : { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله } وقوله : { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } وقوله : { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول } وقوله : { وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له } وقوله : { وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا } وقوله : { ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك } وأمثال ذلك في القرآن العزيز . فإن جوازم الفعل المضارع ونواصبه تخلصه للاستقبال مثل " إن " و " أن " وكذلك " إذا " ظرف لما يستقبل من الزمان ; فقوله : { إذا أراد } و { إن شاء الله } ونحو ذلك يقتضي حصول إرادة مستقبلة ومشيئة مستقبلة .

                وكذلك في المحبة والرضا قال الله تعالى : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } فإن هذا يدل على أنهم إذا اتبعوه أحبهم الله ; فإنه جزم قوله : " يحببكم " به فجزمه جوابا للأمر وهو في معنى الشرط فتقديره : إن تتبعوني يحببكم الله . ومعلوم أن جواب الشرط والأمر إنما يكون بعده لا قبله ; فمحبة الله لهم إنما تكون بعد اتباعهم للرسول ; والمنازعون : منهم من يقول : ما ثم [ ص: 226 ] محبة بل المراد ثوابا مخلوقا ومنهم من يقول : بل ثم محبة قديمة أزلية إما الإرادة وإما غيرها والقرآن يدل على قول السلف أئمة السنة المخالفين للقولين . وكذلك قوله : { ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه } فإنه يدل على أن أعمالهم أسخطته فهي سبب لسخطه وسخطه عليهم بعد الأعمال ; لا قبلها .

                وكذلك قوله : { فلما آسفونا انتقمنا منهم } وكذلك قوله : { إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم } علق الرضا بشكرهم وجعله مجزوما جزاء له وجزاء الشرط لا يكون إلا بعده . وكذلك قوله : { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } { يحب المتقين } { يحب المقسطين } { يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا } ونحو ذلك فإنه يدل على أن المحبة بسبب هذه الأعمال وهي جزاء لها والجزاء إنما يكون بعد العمل والمسبب .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية