الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 227 ] فصل : وكذلك " السمع " و " البصر " " والنظر " . قال الله تعالى : { وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله } هذا في حق المنافقين وقال في حق التائبين : { وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون } وقوله { فسيرى الله } دليل على أنه يراها بعد نزول هذه الآية الكريمة والمنازع إما أن ينفي الرؤية ; وإما أن يثبت رؤية قديمة أزلية . وكذلك قوله { ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون } ولام كي تقتضي أن ما بعدها متأخر عن المعلول فنظره كيف يعملون هو بعد جعلهم خلائف .

                وكذلك { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما } أخبر أنه يسمع تحاورهما حين كانت تجادل وتشتكي إلى الله وقال النبي صلى الله عليه وسلم " { إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد يسمع الله لكم } " فجعل سمعه لنا جزاء وجوابا للحمد فيكون ذلك بعد الحمد والسمع يتضمن مع سمع القول قبوله وإجابته ومنه قول الخليل { إن ربي لسميع الدعاء } . وكذلك قوله : { لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء } وقوله لموسى : { إنني معكما أسمع وأرى } . [ ص: 228 ] و " المعقول الصريح " يدل على ذلك فإن المعدوم لا يرى ولا يسمع بصريح العقل واتفاق العقلاء ; لكن قال من قال من " السالمية " : إنه يسمع ويرى موجودا في علمه لا موجودا بائنا عنه ولم يقل إنه يسمع ويرى بائنا عن الرب . فإذا خلق العباد وعملوا وقالوا ; فإما أن نقول إنه يسمع أقوالهم ويرى أعمالهم ; وإما لا يرى ولا يسمع . فإن نفى ذلك فهو تعطيل لهاتين الصفتين وتكذيب للقرآن وهما صفتا كمال لا نقص فيه فمن يسمع ويبصر أكمل ممن لا يسمع ولا يبصر . والمخلوق يتصف بأنه يسمع ويبصر فيمتنع اتصاف المخلوق بصفات الكمال دون الخالق سبحانه وتعالى وقد عاب الله تعالى من يعبد من لا يسمع ولا يبصر في غير موضع ; ولأنه حي والحي إذا لم يتصف بالسمع والبصر اتصف بضد ذلك وهو العمى والصمم وذلك ممتنع وبسط هذا له موضع آخر .

                وإنما " المقصود هنا " أنه إذا كان يسمع ويبصر الأقوال والأعمال بعد أن وجدت ; فإما أن يقال : إنه تجدد وكان لا يسمعها ولا يبصرها فهو بعد أن خلقها لا يسمعها ولا يبصرها . وإن تجدد شيء : فإما أن يكون وجودا أو عدما ; فإن كان عدما فلم يتجدد شيء وإن كان وجودا : فإما أن يكون قائما بذات الله أو قائما بذات غيره و " الثاني " يستلزم أن يكون ذلك الغير هو الذي يسمع ويرى فيتعين أن ذلك السمع والرؤية الموجودين قائم بذات الله وهذا لا حيلة فيه . [ ص: 229 ] و " الكلابية " يقولون في جميع هذا الباب : المتجدد هو تعلق بين الأمر والمأمور وبين الإرادة والمراد وبين السمع والبصر والمسموع والمرئي فيقال لهم : هذا التعلق إما أن يكون وجودا وإما أن يكون عدما فإن كان عدما فلم يتجدد شيء فإن العدم لا شيء وإن كان وجودا بطل قولهم . وأيضا فحدوث " تعلق " هو نسبة وإضافة من غير حدوث ما يوجب ذلك ممتنع فلا يحدث نسبة وإضافة إلا بحدوث أمر وجودي يقتضي ذلك .

                وطائفة منهم ابن عقيل يسمون هذه النسبة " أحوالا " . و " الطوائف " متفقون على حدوث " نسب " و " إضافات " و " تعلقات " لكن حدوث النسب بدون حدوث ما يوجبها ممتنع . فلا يكون نسبة وإضافة إلا تابعة لصفة ثبوتية ; كالأبوة والبنوة والفوقية والتحتية والتيامن والتياسر فإنها لا بد أن تستلزم أمورا ثبوتية . وكذلك كونه " خالقا " و " رازقا " و " محسنا " و " عادلا " فإن هذه أفعال فعلها بمشيئته وقدرته إذ كان يخلق بمشيئته ويرزق بمشيئته . ويعدل بمشيئته ويحسن بمشيئته . والذي عليه " جماهير المسلمين " من السلف . والخلف أن الخلق غير المخلوق ; فالخلق فعل الخالق والمخلوق مفعوله ; ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بأفعال الرب وصفاته كما في قوله صلى الله عليه وسلم " { أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك . } " فاستعاذ بمعافاته كما استعاذ برضاه .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية