الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 54 ] ( فإن قشرت نفطة فسال منها ماء أو صديد أو غيره إن سال عن رأس الجرح نقض ، وإن لم يسل لا ينقض ) وقال زفر رحمه الله ينقض في الوجهين . وقال الشافعي رحمه الله لا ينقض في الوجهين ، وهي مسألة الخارج من غير السبيلين ، وهذه الجملة نجسة لأن الدم ينضج فيصير قيحا ثم يزداد نضجا فيصير صديدا ثم يصير ماء ، هذا إذا قشرها فخرج بنفسه ، أما إذا عصرها فخرج بعصره لا ينقض لأنه مخرج وليس بخارج ، والله أعلم .

التالي السابق


( قوله وهذه الجملة نجسة ) يعني الماء والقيح والصديد ( قوله : لأنه مخرج وليس بخارج ) لا تأثير يظهر للإخراج وعدمه في هذا الحكم ، بل النقض لكونه خارجا نجسا ، وذاك يتحقق مع الإخراج كما يتحقق مع عدمه فصار كالفصد وقشر النفطة فلذا اختار السرخسي في جماعة النقض .

وفي الكافي : والأصح أن المخرج ناقض انتهى .

وكيف وجميع الأدلة الموردة من السنة والقياس تفيد تعليق النقض بالخارج النجس وهو ثابت في المخرج .

[ فروع ]

يجب الوضوء من المباشرة الفاحشة .

وهي أن يتجردا معا متعانقين متماسي الفرجين ، وعن محمد لا إلا أن يتيقن خروج شيء .

قلنا يندر عدم مذي في هذه الحالة ، والغالب كالمتحقق في مقام وجوب الاحتياط وفي القنية : وكذا المباشرة بين الرجل والغلام ، وكذا بين الرجلين يوجب الوضوء عليهما ، ولا يجب من مجرد مسها ولو بشهوة ولو فرجها ، ولا من مس الذكر .

خلافا للشافعي في الأولى مطلقا ، وفي الثانية إذا مس بباطن [ ص: 55 ] الأصابع ، ولمالك في الثانية مطلقا ، وفي الأولى إذا مس بشهوة .

لنا في الأولى عدم دليل النقض بشهوة وبغير شهوة فيبقى الانتقاض على العدم ، وقوله تعالى { أو لامستم النساء } مراد به الجماع وهو مذهب جماعة من الصحابة ، وكونه مرادا به اليد قول جماعة آخرين ، ورجحنا قول الطائفة الأولى بالمعنى ، وذلك أنه سبحانه أفاض في بيان حكم الحدثين الأصغر والأكبر عند القدرة على الماء بقوله تعالى { إذا قمتم إلى الصلاة } إلى قوله تعالى { وإن كنتم جنبا فاطهروا } فبين أنه الغسل ، ثم شرع في بيان الحال عند عدم القدرة عليه بقوله تعالى { وإن كنتم مرضى أو على سفر } إلى { فتيمموا صعيدا } إلى آخره ، ولفظ لامستم مستعمل في الجماع فيجب حمله عليه ليكون بيانا لحكم الحدثين عند عدم الماء كما بين حكمهما عند وجوده فيتم الغرض ، بخلاف ما ذهبوا إليه من كونه باليد .

ويدل عليه من السنة ما في مسلم من { مس عائشة قدميه صلى الله عليه وسلم حين طلبته صلى الله عليه وسلم لما فقدته ليلا ، وهما منصوبتان في السجود ولم يقطع صلاته لذلك } ، وعنها { أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبل بعض نسائه فلا يتوضأ } ، رواه البزار في مسنده بإسناد حسن .

ولنا في الثانية ما روى أصحاب السنن إلا ابن ماجه ، عن ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق بن علي عن أبيه { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يمس ذكره في الصلاة فقال : هل هو إلا بضعة منك } ورواه ابن حبان في صحيحه . قال الترمذي : هذا الحديث أحسن شيء يروى في هذا الباب . وفي الباب عن أبي أمامة . وقد روى هذا الحديث أيوب بن عتبة ومحمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه . وأيوب ومحمد تكلم فيهما بعض أهل الحديث ، وحديث ملازم بن عمرو أصح وأحسن ، وبه رواه الطحاوي وقال : هذا حديث مستقيم الإسناد غير مضطرب في إسناده ومتنه انتهى . فهذا حديث صحيح معارض لحديث بسرة بنت صفوان { أنه صلى الله عليه وسلم قال من مس ذكره فليتوضأ } وكلا الحديثين مع ذلك لم يسلم من الطعن مرة في بسرة بالجهالة ، ومرة بأن عروة لم يسمع من بسرة بل من مروان بن الحكم أو الشرطي على ما عرف في موضعه ، ومرة بالتكلم في ملازم وغير ذلك ، والحق أنهما لا ينزلان عن درجة الحسن ، لكن يترجح حديث طلق بأن حديث الرجال أقوى ; لأنهم أحفظ للعلم وأضبط ، ولهذا جعلت شهادة امرأتين بشهادة رجل . وقد أسند الطحاوي إلى ابن المديني أنه قال : حديث ملازم بن عمرو أحسن من حديث بسرة . وعن عمرو بن علي القلاس أنه قال : حديث طلق عندنا أثبت من حديث بسرة بنت صفوان . وما رجح به حديث بسرة من أنه ناسخ لأن طلقا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في أول سني الهجرة وهو يبني المسجد وكان صلى الله عليه وسلم يقول { قربوا اليماني من الطين فإنه من أحسنكم له مسا } ومتن حديث بسرة رواه أبو هريرة وهو متأخر الإسلام فغير لازم ; لأن ورود طلق إذ ذاك ثم رجوعه لا ينفي عوده بعد ذلك ، وهم قد رووا عنه حديثا ضعيفا [ ص: 56 ] { من مس ذكره فليتوضأ } وقال سمع منه صلى الله عليه وسلم الناسخ والمنسوخ . وحديث أبي هريرة مضعف أيضا ; لأن في سنده يزيد بن عبد الملك ، ومما يدل على انقطاع حديث بسرة باطنا أن أمر النواقض مما يحتاج الخاص والعام إليه

، وقد ثبت عن علي وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وابن عباس وحذيفة بن اليمان وعمران بن حصين وأبي الدرداء وسعد بن أبي وقاص أنهم لا يرون النقض منه وإن روي عن غيرهم كعمر وابنه وأبي أيوب الأنصاري وزيد بن خالد وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وجابر وعائشة ، على أن في الرواية عن عمر نظرا لما سنذكره عنه في كتاب الصلاة ، وإن سلكنا طريق الجمع جعل مس الذكر كناية عما يخرج منه ، وهو من أسرار البلاغة يسكتون عن ذكر الشيء ويرمزون عليه بذكر ما هو من روادفه ، فلما كان مس الذكر غالبا يرادف خروج الحدث منه ويلازمه عبر به عنه كما عبر تعالى بالمجيء من الغائط عما يقصد الغائط لأجله ويحل فيه ، فيتطابق طريقا الكتاب والسنة في التعبير فيصار إلى هذا الدفع التعارض .




الخدمات العلمية