الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولو قضى بعض الفوائت حتى قل ما بقي عاد الترتيب عند البعض وهو الأظهر ، فإنه روي عن محمد فيمن ترك صلاة يوم وليلة ، وجعل يقضي من الغد مع كل وقتية فائتة فالفوائت جائزة على كل حال ، والوقتيات فاسدة إن قدمها لدخول الفوائت في حد القلة ، [ ص: 494 ] وإن أخرها فكذلك إلا العشاء الأخيرة لأنه لا فائتة عليه في ظنه حال أدائها .

التالي السابق


( قوله وهو الأظهر ) خلاف ما اختاره شمس الأئمة وفخر الإسلام وصاحب المحيط وقاضي خان وصاحب المغني والكافي وغيرهم ، وما استدل به عن محمد فيه نظر نذكره ( قوله على كل حال ) أي سواء قدم أو أخر ( والوقتيات فاسدة إن قدمها ) أي على الفوائت .

وجه الاستدلال أنه إذا قدم الوقتية صارت هي سادسة المتروكات فسقط الترتيب . فعلى تقدير أن لا يعود كان ينبغي أنه إذا قضى بعدها فائتة حتى عادت المتروكات إلى خمس أن تجوز الوقتية الثانية قدمها أو أخرها . وإن وقعت بعد عدة لا توجب سقوط الترتيب : أعني خمسا أو أربعا لسقوط الترتيب قبل أن يصير إلى الخمس ، وجه النظر أنه لم يسقط الترتيب أصلا ، فإن سقوطه بخروج وقت السادسة وهو لم يخرج حتى صارت خمسا بقضاء الفائتة ، ولا يمكن تخريجه على ما روي عن محمد من اعتبار دخول وقت السادسة لأنه لو كان كذلك لم تفسد الوقتيات ، فالأصح أن الترتيب إذا سقط لا يعود كماء نجس دخل عليه ماء جار حتى سال ثم عاد قليلا لم يعد نجسا ، فلذا صحح في الكافي أنه لا يعود . ولا يخفى أن إبطال الدليل المعين لا يستلزم بطلان المدلول فكيف بالاستشهاد .

وحاصله بطلان أن يكون ذلك نصا من محمد في المسألة فليكن كذلك فهو غير منصوص عليه من المتقدمين ، لكن الوجه يساعده بجعله من قبيل انتهاء الحكم بانتهاء علته ، وذلك أن سقوط الترتيب كان بعلة الكثرة المفضية إلى الحرج ، أو أنها مظنة تفويت الوقتية ، فلما قلت زالت العلة فعاد الحكم الذي كان قبل ، وهذا مثل حق الحضانة الثابت لمحرم الصغير من النساء ينتهي بالتزوج ، فإذا زال التزوج عاد لا أنه سقط فيكون [ ص: 494 ] متلاشيا فلا يتصور عوده إلا لسبب آخر ( قوله لأنه لا فائتة عليه في ظنه حال أدائها ) محمول على ما إذا كان جاهلا ، أما لو اعتقد وجوب الترتيب كانت أيضا فاسدة .

وعليه أن يقال إذا كان الفرض جهل وجوب الترتيب وأنه معتبر في صحة العشاء إذا أخرها لمصادفته محل اجتهاد فلا وجه للفصل بين تقديمها وتأخيرها ، بل يجب أن يصح وإن قدمها لأن الفرض أنه جاهل وجوب الترتيب بينها وبين الفائتة التي بقيت عليه . والجواب يعلم من جوابهم لطلب الفرق بين ما لو صلى الظهر بغير طهارة ثم صلى العصر ذاكرا لها حيث تجب إعادة العصر وإن ظن عدم وجوب الترتيب .

وما لو صلى هذه الظهر بعد هذه العصر ولم يعد العصر حتى صلى المغرب ذاكرا لها حيث تصح المغرب إذ قالوا إن فساد الظهر قوي لعدم الطهارة فصلح استتباعه لفساد العصر ، بخلاف فساد العصر فإنه ضعيف لقول طائفة من الأئمة بعدمه فلم يصلح مستتبعا فساد المغرب . فيؤخذ منه أن مجرد كون المحل مجتهدا فيه لا يستلزم اعتبار الظن الخطأ فيه من الجاهل بل إن كان المجتهد فيه ابتداء لا يعتبر الظن فيه ، وإن كان مما ينبني على المجتهد ويستتبعه اعتبر ذلك الظن لزيادة الضعف .

ففساد العصر هو المجتهد فيه ابتداء ، وفساد المغرب بسبب ذلك فاعتبر . وكذا ما نحن فيه فإنه إذا أخر العشاء ففسادها بسبب فساد الوقتيات . وفساد الوقتيات هو الفساد المجتهد فيه فهي نظير العشر في المسألة المذكورة ، وإذا قدمها ففسادها حينئذ لوجود الفائتة بيقين وهي آخر المتروكات ، [ ص: 495 ] والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية