الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وبطل : كمرض أبويه . لا جنازتهما معا وكشهادة وإن وجبت ، ولتؤد بالمسجد ، أو تنقل عنه [ ص: 166 ] وكردة ، وكمبطل صومه [ ص: 167 ] وكسكره ليلا ، وفي إلحاق الكبائر به : تأويلان ; وبعدم وطء ، [ ص: 168 ] وقبلة شهوة ، ولمس ، ومباشرة وإن لحائض ناسية ، وإن أذن لعبد أو امرأة في نذر : فلا منع كغيره ; إن دخلا [ ص: 169 ] وأتمت ما سبق منه ، أو عدة ، إلا أن تحرم ، وإن بعدة موت فينفذ ، وتبطل

التالي السابق


( وبطل ) اعتكافه بخروجه برجليه معا لا بإحداهما إلا حديث عهد بإسلام ، فيعذر ولا يبطل اعتكافه بخروجه فإن لم يخرج أثم ولم يبطل اعتكافه على الظاهر ; لأن تركها مرة صغيرة هذا هو المشهور . وروى ابن الجهم يخرج للجمعة ولا يبطل اعتكافه . وقال عبد الملك إن نذر أياما فيها جمعة واعتكف في غير الجامع خرج وبطل . وإن كانت لا تجب الجمعة فيها ومرض بعد شروعه فيه فخرج ورجع عقب صحته فصادف الجمعة فيخرج لها ولا يبطل اعتكافه .

وشبه في وجوب الخروج والبطلان به فقال ( ك ) خروجه ل ( مرض ) أحد ( أبويه ) مباشرة فيجب ويبطل به الاعتكاف ولو كافرين ، وظاهره ولو كان الاعتكاف منذورا والمرض خفيفا فإن لم يخرج فهو عاق وفي بطلان التأويلان الآتيان . سمعابن القاسم يخرج لمرض أحد أبويه ويبتدئ اعتكافه . ابن رشد ; لأنه لا يفوت وبرهما يفوت ( لا ) يجوز الخروج لحضور ( جنازتهما ) أي الأبوين ( معا ) أو أحدهما بعد موت الآخر فإن خرج بطل اعتكافه ، ويخرج لجنازة أحدهما والآخر حي وجوبا خوفا من عقوق الحي . ويبطل اعتكافه هذا هو المشهور . وقال الجزولي : يجب الخروج لجنازتهما معا كوجوبه لعيادتهما إذا مرضا ويبطل اعتكافه .

وشبه في عدم جواز الخروج وبطلان الاعتكاف به فقال ( ك ) تحمل أو أداء ( شهادة ) فلا يجوز الخروج له وإن خرج بطل اعتكافه وفي نسخ بالواو والأولى حذفها إن لم تتعين عليه بل ( وإن وجب ) أي : تعينت الشهادة على المعتكف ، بأن لم يوجد غيره أو لم يتم النصاب إلا به فلا يخرج ( ولتؤد ) بضم التاء وفتح الهمزة والدال مثقلا الشهادة ( بالمسجد ) الذي فيه للمعتكف بأن يأتيه القاضي لسماعها منه في المسجد .

( أو تنقل ) بضم فسكون ففتح الشهادة ( عنه ) أي : المعتكف بأن يخبر بها عدلين [ ص: 166 ] ويقول لهما : اشهدا على شهادتي ، وإن لم يوجد شرط نقل الشهادة وهو موت الشاهد أو مرضه أو بعد غيبته للضرورة . روى ابن نافع لا يخرج لأداء الشهادة وليؤدها بمسجده . اللخمي روى العتبي يؤديها به وتنقل عنه . ابن محرز كذي عذر المرض وغيره والأولى أنه كغائب وبقية اعتكافه كمسافة الغيبة .

وعطف على قوله كمرض أبويه مشبها في وجوب الخروج من المسجد وبطلان الاعتكاف به ، فقال ( وكردة ) عن الإسلام من المعتكف فيبطل اعتكافه ، ويجب خروجه من المسجد لحرمته على الكافر ; لأن شرط صحته الإسلام . ولأنها محبطة العمل ولا يجب عليه استئنافه إذا تاب خلافا للبساطي . وإن كانت أيام الاعتكاف معينة ورجع للإسلام قبل تمامها فلا يلزمه إتمامها أفاده عب . البناني فيه نظر فقد نص في الجواهر على وجوب استئنافه نقله المواق ا هـ . وما قاله عب أليق بالقاعدة . ومقتضى قول ابن شاس قضاء رمضان وكفارته إذا ارتد فيه وتاب .

وعطف على كمرض أبويه مشبها في الإبطال ووجوب الاستئناف فقال ( وك ) شخص معتكف ( مبطل ) بالتنوين ( صومه ) بأكل أو شرب عمدا بلا عذر فيفسد اعتكافه ويستأنفه ، فإن أفطر ناسيا لم يبطل اعتكافه ويقضي اليوم متصلا باعتكافه . وكذا من أفطر بحيض أو نفاس أو مرض ومحل القضاء إذا كان الصوم فرضا ولو بالنذر ولو معينا أو تطوعا وأفطر فيه ناسيا ولزمه قضاؤه لتقويه بالاعتكاف بشرطيته فيه . وإن أفطر فيه لمرض أو حيض فلا يقضيه كما يأتي في قوله وبنى بزوال إغماء إلخ .

وأما الوطء ومقدماته فعمدها وسهوها سواء في الإفساد كما يأتي ، والفرق بينها وبين الأكل أنها محظورات الاعتكاف بخلافه ، ولهذا يأكل في الليل ولو قرئ مبطل بغير تنوين لدخل فيه الحائض والمريض والمفطر ناسيا وهو فاسد ا هـ . عبق البناني قوله " ومحل القضاء إذا كان الصوم فرضا إلخ " فيه نظر بل يجب القضاء في التطوع أيضا على مذهب المدونة ، وهو المشهور . وقوله فإن أفطر فيه أي : للنذر المعين لمرض أو حيض غير صحيح بل يقضيه مطلقا . أقول قوله فيه نظر بل يجب القضاء في التطوع أيضا إن كان أراد به بالفطر ناسيا [ ص: 167 ] فهو مسلم ولكنه عين كلام . عبق فالتنظير به فيه غير صحيح ، وإن كان أراد به بالفطر لمرض أو حيض فغير صحيح لما يأتي عن التوضيح من أن من أفطر فيه لأحدهما لا يقضي كما في عبق فالتنظير به فيه غير صحيح أيضا .

وقوله فإن أفطر فيه أي : النذر المعين لمرض أو حيض فلا يقضيه إلخ غير صحيح ، بل يقضيه مطلقا سهو وسبق قلم فإن الضمير في فيه للنفل لا للنذر المعين ، وحكمه عدم القضاء إذا أفطر فيه لمرض أو حيض كما تقدم ويأتي عن التوضيح والله أعلم . ونص ابن عرفة وما مرض فيه من نذر مبهم أو معين من رمضان قضاء ومن غيره في قضائه ثالثها إن مرض بعد دخوله ، الأول لابن رشد عن رواية ابن وهب فيها ، والثاني لسحنون ، والثالث لتأويل ابن عبدوس قول ابن القاسم فيها .

وقوله وأما الوطء ومقدماته إلخ أي : فلا تدخل في كلامه هنا بل سيذكرها وكلامه هنا خاص بتعمد الغذاء والشرب ، وعطف على كمرض أبويه مشبها في الإبطال ووجوب الابتداء فقال ( وكسكره ) أي : المعتكف سكرا حراما ( ليلا ) فيبطل اعتكافه ويجب عليه ابتداؤه ، وإن أفاق منه قبل الفجر لا فيه بحلال ، ويبطل اعتكاف يومه بحصوله فيه ( وفي إلحاق الكبائر ) غير المفسدة للصوم كقذف وغيبة ونميمة وغصب وسرقة ( به ) أي السكر الحرام في إبطال الاعتكاف بجامع كبر الذنب وعدم إلحاقها به فيه لزيادته عليها بتعطيل الزمن ( تأويلان ) أي : فهمان لشارحيها فيها إن سكر ليلا وصحا قبل الفجر فسد اعتكافه فقال البغداديون ; لأنه كبيرة وقال المغاربة لتعطيل عمله ولهما أشار المصنف بالتأويلين ، ومفهوم الكبائر أن الصغائر لا تبطل الاعتكاف اتفاقا وهو كذلك .

( و ) صحته ( بعدم وطء ) مباح ليلا وغير المباح دخل في الكبائر والذي في النهار دخل في مبطل الصوم فإن وطئ حليلته ليلا بطل اعتكافه أفاده عبق . البناني غير [ ص: 168 ] صواب لما تقدم أن قوله وكمبطل صومه خاص بعمد الغذاء ; إذ الوطء ومقدماته مبطل ولو سهوا فيجب التعميم هنا ( و ) صحته بعدم ( قبلة شهوة ) فتفسد الاعتكاف . ومفهومه أنها إن خلت عن الشهوة لا تفسده ظاهره ولو على فم وهو الذي يفيده عموم النقل خلافا لبحث أنها على الفم تفسد مطلقا أفاده عبق . البناني فيه نظر بل ما بحثه أحمد هو الظاهر لما تقدم أنه يبطله من مقدمات الجماع ما يبطل الوضوء .

( و ) صحته بعدم ( لمس ) شهوة ( ومباشرة ) شهوة فإن لمس بشهوة أو باشر بها بطل اعتكافه إن لم يكن حائضا بل ( وإن ) كانت قبلة الشهوة أو لمسها أو مباشرتها ( لحائض ) أي : منها حال خروجها من المسجد إذا كانت عالمة باعتكافها بل ولو كانت ( ناسية ) اعتكافها فقد فسد ، وكذا مريض وغيره من المعذورين الممنوعين من الصوم أو الاعتكاف .

( وإن أذن ) سيد أو زوج ( لعبد ) تنقص عبادته خدمة السيد ( أو امرأة ) يحتاج إليها زوجها ، وصلة أذن ( في نذر ) أي : التزام لعبادة مندوبة من اعتكاف أو صيام أو إحرام حج أو عمرة في زمن معين فنذراها ( فلا منع ) لسيد العبد وزوج المرأة من وفائهما بم نذراه بإذنه ، فإن كان النذر مبهم الزمن فله المنع ; لأنه ليس على الفور .

وشبه في عدم المنع فقال ( ك ) إذن سيد أو زوج لعبد أو زوجة في فعل ( غيره ) أي : النذر أو في وفاء النذر المبهم ( إن دخلا ) أي : العبد والزوجة في النذر في الأولى بأن نذرا ما أذن لهما في نذره فليس له منعهما من وفائه في وقته المعين ، وفي فعل ما أذن لهما في فعله [ ص: 169 ] في الثانية من تطوع أو وفاء نذر مبهم فليس له قطعه عليهما فالشرط راجع لما قبل الكاف أيضا ( و ) إن اجتمع على امرأة عبادات متضادة الأمكنة كعدة وإحرام بحج أو عمرة واعتكاف ( أتمت ما سبق منه ) أي : الاعتكاف على عدة ، وكذا الإحرام السابق عليها كأن تطلق أو يتوفى عنها وهي معتكفة أو محرمة فتتمادى في اعتكافها أو سفرها للنسك ولا تقيم في منزلها إلى تمام عدتها ( أو ) ما سبق من ( عدة ) على اعتكاف بأن طلقت أو توفي عنها ثم نذرت اعتكافا فتقيم في مسكنها إلى تمام عدتها ثم تعتكف إن كان مضمونا أو الباقي منه إن كان معينا وبقي منه شيء ، فإن فات فلا تقضيه .

ولما شمل قوله أو عدة سبقها الإحرام أيضا وكان الحكم فيه مخالفا للحكم في سبقها الاعتكاف استثناء بقوله ( وإلا أن تحرم ) المرأة بحج أو عمرة وهي بعدة طلاق بل ( وإن ) كانت متلبسة ( بعدة موت ) بالغ عليها لشدتها عن عدة الطلاق بالإحداد ( فينفذ ) إحرامها مع عصيانها به ( ويبطل ) أي : يسقط وجوب مبيتها في مسكنها هذا على نسخة يبطل بالتحتية ، وعلى نسخة تبطل بالفوقية فضميره للعدة بتقدير مضاف أي : مبيتها لا أصلها فتسافر لتمام النسك الذي أحرمت به وهي على عدتها ، فهذه أربع صور وبقي صورتان : طروء اعتكاف على إحرام وعكسه ، فتتم السابق فيهما إلا أن يخشى في الثانية فوات الحج فيقدم إن كانا فرضين أو نفلين أو الحج فرضا والاعتكاف نفلا . فإن كان بالعكس قدم الاعتكاف فالصور ست : طروء عدة على إحرام أو اعتكاف ، وطروء أحدهما عليها ، وطروء اعتكاف من إحرام وعكسه فتتم السابق في أربع وتمضي على الطارئ في إحرام ولو بنفل على عدة وعلى اعتكاف نفل أو فرض إن خشي فوات فرض حج لا إن كان نفلا والاعتكاف فرض فتتم الاعتكاف .

وفهم من تقييد المصنف النفوذ في الإحرام الطارئ بالمعتدة أن المعتكفة لا ينفذ إحرامها . والفرق أن نفوذ إحرام المعتدة إنما يخل بمبيتها لا بأصل عدتها ونفوذ إحرام [ ص: 170 ] المعتكفة يخل بالاعتكاف رأسا ; لأن المكث في المسجد شرط أو ركن فيه ومبيت المعتدة ليس واحدا منهما بل واجب مستقل فتعصى بتركه وتحتسب بأيام سفر الإحرام من عدتها وتتم بقيتها عقب رجوعها منه .

وقوله ما سبق منه أي : فعلا لا نذرا فإن نذرت اعتكاف شهر معين و طلقت أو مات زوجها قبل إتيانه فتتم عدتها . ولو استهل الشهر المعين فيها ولكن تصومه في بيتها ولا يقضي اعتكافه ; لأنه لم يسبق في الفعل . ويفهم من كلام الحط أن هذا أرجح من مقابله وإن اقتصر عليه أحمد قاله عبق . البناني قوله إلا أن تخشى في الثانية فوات الحج أصله لعج ، واعترضه طفي بأن إطلاق أبي الحسن وأبي عمران ينافيه أي في قولهما المعتكفة إذا أحرمت ينفذ إحرامها ولا تخرج له حتى ينقضي اعتكافها . وقوله يفهم من الحط أن هذا هو الراجح إلخ يدل على أرجحيته اقتصار ابن رشد عليه وتصحيحه إياه . ونصه الاعتكاف إذا سبق العدة فلا تخرج منه حتى ينقضي اعتكافها كما أن العدة إذا سبقته فلا تخرج منها إلى الاعتكاف حتى تنقضي عدتها إن كان اعتكافا واجبا عليها في أيام بعينها قد كانت نذرت اعتكافها قاله بعض شيوخ القرويين وهو صحيح ، فقف عليه ا هـ ، وكذا اقتصر عليه عبد الحق .




الخدمات العلمية