الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 227 ] وإلا فلهما : ذو الحليفة والجحفة ويلملم وقرن وذات عرق ، ومسكن دونها ، [ ص: 228 ] وحيث حاذى واحدا ، أو مر ولو ببحر ، [ ص: 229 ] إلا كمصري يمر بالحليفة [ ص: 230 ] فهو أولى وإن لحيض رجي رفعه : كإحرامه أوله .

التالي السابق


( وإلا ) أي : وإن لم يكن مقيما بمكة وما في حكمها ( ف ) مكان الإحرام ( لهما ) أي : الحج والعمرة ( ذو الحليفة ) بضم الحاء المهملة وفتح اللام وسكون المثناة تحت قرية بينها وبين المدينة المنورة بأنوار النبي صلى الله عليه وسلم نحو ثلاثة أميال وبها مسجد يسمى مسجد الشجرة وبئر تسميه العوام بئر علي رضي الله تعالى عنه ، ويزعمون أنه قاتل الجن بها وهذا غير ثابت ، ولا يرمى به حجر ولا غيره كفعل الجاهلين وهذا لأهل المدينة ومن وراءهم .

( والجحفة ) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة بلد أجحفها السيل بينها وبين مكة ثمان مراحل لأهل مصر والشام والمغرب والروم والسودان ( ويلملم ) بفتح المثناة واللام وسكون الميم الأولى ويقال فيها ألملم بالهمز بدل المثناة ويرمرم براءين بدل اللامين جبل من جبال تهامة ، بينه وبين مكة مرحلتان لأهل اليمن والهند ( وقرن ) بفتح القاف وسكون الراء ، ويقال لها قرن المنازل على مرحلتين من مكة لأهل نجد اليمن ونجد الحجاز ، قالوا وهي أقرب المواقيت لمكة وأصل القرن ما ارتفع من الأرض وفي الإكمال أصل القرن الجبل الصغير المستطيل المنقطع عن الجبل الكبير .

( وذات عرق ) بكسر العين المهملة وسكون الراء آخره قاف قرية على مرحلتين من مكة يقال : إنها تحولت إلى جهة مكة فيتحرى القرية القديمة . وعن الشافعي رضي الله تعالى عنه من علاماتها المقابر القديمة لأهل العراق وفارس وخراسان والمشرق ومن وراءهم .

( و ) مكانه لهما ( مسكن ) بفتح فسكون منونا أي : محل مسكون ( دونها ) أي : المواقيت السابقة لجهة مكة لا لجهة القطر المقابل لها أي : أقرب منها لمكة متوسطا بينهما كقديد بضم القاف وفتح الدال المهملة وعسفان بضم العين المهملة وسكون السين ومر الظهران بفتح الميم وشد الراء وفتح الظاء المعجمة المشالة ، أي : من مسكنه بين الميقات [ ص: 228 ] ومكة كأهل البلاد المذكورة فميقاته الذي يحرم فيه بالحج مفردا أو قارنا أو العمرة بلده الذي هو ساكنه والأفضل أن يحرم من الأبعد لمكة من داره أو المسجد وتأخير إحرامه عن بلده كتأخيره عن الميقات في إيجاب الهدي أي كان مسكنه في الحل ، وإن كان بالحرم وأراد القران أو العمرة فلا يحرم منه بل من الحل . فإن سافر حتى تعدى الميقات ثم رجع ناويا الإحرام فكمصري مر بالحليفة ناويا الإحرام فالمندوب إحرامه من الميقات الذي مر عليه ، وإن أخره إلى مسكنه فلا دم عليه على ما تقدم ودون منصوب صلة محذوف نعت مسكن .

( و ) مكانه لهما أيضا ( حيث ) أي : مكان ( حاذى ) أي : قابل يمينا أو شمالا ( واحد ) من المواقيت السابقة . والمعنى أن من أتى من خارج المواقيت مريدا مكة ولم يأت على نفس الميقات ووصل إلى مكان محاذ له يمينا أو شمالا ، فإنه يجب عليه الإحرام منه ولا يلزمه السير إلى نفس الميقات للإحرام منه ، وربما تكون المسافة التي بينه وبين الميقات كالمسافة التي بينه وبين مكة فتلحقه المشقة وأخرج حيث عن نصب الظرفية إلى رفع الخبرية على تصرفها وهو نادر .

وعطف على جملة حاذى فقال ( أو مر ) مريد الإحرام به من هذه المواقيت وليس من أهله فيلزمه الإحرام منه وإن تعداه وأحرم بعده فعليه هدي إن لم يكن ميقاته أمامه ، والمعنى أن من أتى من خارج ميقات من المواقيت السابقة ومر به وليس من أهله كمصري مر بيلملم أو قرن أو ذات عرق فيجب عليه الإحرام منه ، هذا إذا حاذاه ببر بل ( ولو ) حاذاه ( ببحر ) ملح وهو مسافر لجدة في سفينة فيحرم إذا حاذى الميقات في الموازية عن الإمام مالك رضي الله عنه من أتى بحرا إلى جدة فله أن يحرم إذا حاذى الجحفة إن كان من أهل مصر وشبهها ا هـ .

ونقله جماعة وأبقوه على ظاهره من عمومه بحر عيذاب وهو بحر القصير وبحر القلزم وهو بحر السويس . ونقله سند وقيده بالمسافر في بحر القلزم ، قال ; لأنه يأتي على ساحل [ ص: 229 ] الجحفة ثم يتركها خلفه ويتجاوزها إلى جدة ولم يكن السفر في عيذاب معروفا في زمن الإمام ومن قبله ; لأنها كانت أرض مجوس . وأما اليوم فمن سافر فيه فلا يحرم حتى يخرج للبر إلا أن يخرج قبل ميقات أهل الشام أو اليمن فلا يحرم حتى يصل ميقاته ، وإنما قلنا بتأخيره للبر ; لأن في تقديمه عند محاذاة الميقات تغريرا وارتكاب خطر ; إذ ربما ردته الربح فيبقى محرما عمره وهو من أعظم الحرج ، والله تعالى يقول { وما جعل عليكم في الدين من حرج } ومثل هذا لو وجب لبينه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولم ينقل عنهم فيه شيء وإذا ثبت جواز التأخير ثبت أنه لا دم عليه ما لم يدل دليل على لزومه ولا دليل .

وأما من سافر في بحر القلزم فعليه الدم بتأخير الإحرام إلى جدة لقدرته على النزول إلى البر والإحرام من نفس الجحفة لكن لمضرة النزول بمفارقة الرحل والخطر بخوف رد الريح إن أحرم في السفينة يباح له تأخير الإحرام لجدة وعليه الدم نظير ممنوعات الإحرام فإنها تباح للضرورة مع الدم . وحاصله أن من في بحر عيذاب لا يمكنه النزول للبر بالكلية فلا يجب عليه الإحرام عند محاذاة الميقات فيؤخره إلى جدة ولا دم عليه إذ لم يترك واجبا .

وأما من في بحر القلزم فيجب عليه الإحرام بمحاذاة الميقات لإمكان نزوله بالبر لكن للمشقة يسقط عنه الواجب ، ويرخص له في تأخيره إلى جدة وعليه الدم لترك الواجب . الحط قبل تقييد سند هذا القرافي وابن عرفة وخليل وابن فرحون وأفتى به والده وغيره ممن يعتمد على فتواه فهو المعتمد ، ولكن المصنف مشى على خلافه ورده بولو ببحر ورد به أيضا رواية ابن نافع عن مالك رضي الله تعالى عنهما لا يحرم المسافر في السفن فالمبالغة في حاذى فالأولى تقديمها على أو مر واستثنى من قوله أو مر فقال ( إلا كمصري ) الكاف اسم بمعنى مثل مدخل للشامي والمغربي والرومي والسوداني وسائر من شاركهم في ميقاتهم ومن مسكنه بين الميقات ومكة وأتى من وراء الميقات مريدا الإحرام والمرور على مسكنه ( يمر ) نحو المصري ( بالحليفة ) ومن مسكنه بعد الميقات إلى جهة مكة يمر به مريدا المرور بالجحفة أو محاذاتها أو مسكنه أو محاذاته . [ ص: 230 ] فهو ) أي إحرامه من الحليفة والميقات ( أولى ) من إحرامه من الجحفة والمسكن ولا واجب ; لأن ميقاته أمامه فلا يلزم على عدم إحرامه من الحليفة أو الميقات دخول مكة بلا إحرام أو إحرامه من غير ميقات ، هذا إذا كان وقت مروره على الحليفة أو الميقات ليس متلبسا بنحو حيض بل ( وإن ) كان حين مروره بالحليفة أو الميقات متلبسا ( بحيض ) أو نفاس ( رجي ) بضم فكسر ( رفعه ) أي الطهر منه قبل الجحفة أو فيها بحيث يحرم بها عقب صلاة فتقديم الإحرام بالحليفة ، وإن لم يكن عقب صلاة ، أولى من تأخيره إلى الجحفة . وإن كان عقب صلاة ; لأن التلبس بالحج أو العمرة أياما أعظم أجرا من أجر الإحرام عقب صلاة ، فإن لم يرد نحو المصري المرور بالجحفة ومحاذاتها وجب عليه إحرامه من الحليفة .

وشبه في الندب فقال ( كإحرامه ) أي : الشخص البالغ ( أوله ) أي الميقات من جهة الأقطار ; لأنها مبادرة إلى الطاعة إلا ذا الحليفة فالأفضل الإحرام من مسجدها أو فنائه لا من أوله اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم .




الخدمات العلمية