الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإن رمى بخمس خمس ; اعتد بالخمس الأول [ ص: 293 ] وإن لم يدر موضع حصاة ; اعتد بست من الأولى وأجزأ عنه [ ص: 294 ] وعن صبي ولو حصاة حصاة ، ورمي العقبة أول يوم طلوع الشمس ، وإلا إثر الزوال قبل الظهر ، ووقوفه إثر الأوليين قدر إسراع البقرة ، وتياسره في الثانية .

التالي السابق


قوله ( فإن رمى ) الجمار الثلاث في ثاني العيد أو ما بعده كل جمرة ( بخمس خمس ) بفتح الخاء المعجمة وسكون الميم فيهما وترك من كل جمرة حصاتين ثم تذكر في يومه أو ما بعده من وقت الرمي ( اعتد ) أي احتسب واكتفى ( بالخمس الأول ) من الجمرة الأولى وكملها بحصاتين ، ورمى الثانية والثالثة بسبع سبع ، وسواء كان ذلك سهوا أو عمدا بناء على ندب التتابع ولا هدي عليه إن ذكر في يومه وعليه الهدي إن ذكر في [ ص: 293 ] وقت القضاء قاله في التهذيب ، ولم يعتد بخمس ما بعد الأولى ; لأنه لم يكمل الأولى فلم يحصل الترتيب فبطل رمي الثانية والثالثة ، ولكون الفور مندوبا بني على خمس الأولى . وما ذكره المصنف من ندب تتابعه شهره الباجي وابن بشير وابن راشد وصدر به ابن شاس ، وحمل أبو الحسن المدونة عليه . وقال سند وابن عبد السلام وابن هارون أنه واجب شرط مع الذكر اتفاقا ومع النسيان فيه قولان وعليه فلا يعتد بخمس الأولى أيضا .

( وإن ) رمى الجمرات الثلاث ثم وجد حصاة في جيبه مثلا و ( لم يدر موضع حصاة ) ترك رميها تحقيقا أو شكا من أي الجمرات الثلاث ( اعتد بست ) من الحصيات ( من ) الجمرة ( الأولى ) فيرمي عليها حصاة ويعيد رمي ما بعدها بسبع سبع ، فإن تحقق إتمام سبع الأولى وشك في الثانية اعتد بست منها ورماها بحصاة ، ورمي الثالثة بسبع وإن شك في الثالثة رماها بحصاة فقط ، وكذا إن لم يدر موضع حصاتين أو أكثر وهذا على ندب التتابع أيضا ولا يعتد بشيء على شرطيته . وإن شك في رمي حصاة ولم يبق بيده حصاة اختلف فيه قول الإمام مالك رضي الله تعالى عنه فيها ، والذي رجع إليه أنه لا يعتد بشيء ويرمي كل جمرة بسبع ، لكن قوله الأول هو الذي في المتن .

وبه أخذ ابن القاسم وصرح الباجي وغيره بأنه المشهور ومن بقيت بيده حصاة لم يدر موضعها ، فحكى فيه الأبهري القولين أيضا فيها . وإن ذكر أنه نسي حصاة من أول يوم لا يدري من أي جمرة فقال مالك رضي الله تعالى عنه يرمي الأولى بحصاة ثم يرمي الوسطى والعقبة بسبع سبع ، وفي كتاب الأبهري ومن بقيت بيده حصاة ولم يدر من أي جهة هي فليرم بها الأولى ثم يرمي الباقيتين بسبع سبع ، وقد قيل : إنه يستأنف والأول أحب إلينا .

( وأجزأ ) الرمي المتفرق كرميه ( عنه ) أي : الرامي سبع حصيات متواليات على [ ص: 294 ] جمرة وسبع حصيات أخرى عن صبي ونحوه ممن يرمي عنه نيابة على تلك الجمرة ، وهكذا الجمرة الثانية والجمرة الثالثة ، بل ولو كان التفريق في حصيات كل جمرة بأن يرمي حصاة عن نفسه وحصاة عن غيره أو عكسه إلى تمام السبع عن نفسه وعن غيره في كل جمرة ، وتعبيره بالإجزاء يفيد أنه خلاف المندوب وهو كذلك فلا ينافي ندب تتابعها .

وأشار بولو إلى قول القابسي بعيد عن نفسه ولا يعتد من ذلك إلا بحصاة واحدة . ابن يونس وهو غير صحيح ; لأنه تفريق يسير وندب رمي جمرة العقبة أول يوم من أيام النحر ، ومصب الندب كون الرمي طلوع الشمس أي بعده وعبارتها ضحوة ويمتد وقت الفضيلة للزوال ، ويكره الرمي بعده وقبل الشمس وإن كان أداء فيهما أيضا . ابن الحاجب أداء جمرة يوم النحر من طلوع الفجر إلى الغروب وأفضله طلوع الشمس إلى الزوال . ابن رشد إن رماها بعد الفجر وقبل طلوع الشمس ، أو بعد زوالها قبل الغروب أساء ولا شيء عليه .

( وإلا ) أي : وإن لم يكن الرمي أول يوم بأن كان ثانيه أو ثالثه أو رابعه ندب ( إثر ) بكسر فسكون أي : عقب ( الزوال قبل ) صلاة ( الظهر وندب وقوفه ) أي : مكث الرامي ولو جالسا ( إثر ) رمي كل واحدة من الجمرتين ( الأوليين ) للذكر والدعاء بدون رفع يديه ( قدر إسراع ) قراءة سورة ( البقرة ) لا إثر الثانية فقط وإن صدق عليه أنه إثر الأوليين وهذا كالاستدراك على قوله وتتابعها . ( و ) ندب ( تياسره في ) وقوفه للدعاء عقب رمي الجمرة ( الثانية ) ابن المواز ثم يرمي الوسطى وينصرف منها إلى الشمال في بطن المسيل فيقف أمامها مما يلي يسارها . ابن عرفة يرمي الوسطى وينصرف عنها ذات الشمال ببطن المسيل يقف أمامها مما يلي يسارها ومثله في عبارة ابن شاس وابن الحاجب وسند هذه الكيفية الاتباع ، ففي البخاري من [ ص: 295 ] حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما { ثم يرمي الوسطى فيأخذ بذات الشمال فيسهل } قوله فيسهل بضم التحتية وسكون السين وكسر الهاء أي : يأتي المكان السهل ، هكذا في صحيح البخاري في عدة أحاديث ابن حجر ، أي : يمشي إلى جهة شماله ليقف داعيا في مكان لا يصيبه فيه الرمي . ا هـ . ويلزم من كونه في جهة يسارها كونها في جهة يمينه وفيها ترك الرفع أحب إلي . مالك رضي الله تعالى عنه في كل شيء إلا في ابتداء الصلاة فإنه يرفع يديه ولا يرفعهما في المقامين عند الجمرتين ا هـ .

وقال ابن الحاجب وضعف مالك رضي الله تعالى عنه رفع اليدين في جميع المشاعر ، هذا وفي صحيح البخاري { ثبوت رفع اليدين عند الجمرتين الأوليين عن النبي صلى الله عليه وسلم . } ابن المنذر لم نعلم أحدا أنكر رفع اليدين في الدعاء عند الجمرة إلا ما حكاه ابن القاسم عن مالك رضي الله تعالى عنهما ويستقبل الكعبة في وقوفه للدعاء ، ولم يذكر صفة وقوفه لرميهما وهو أن يقف مما يلي المسجد في رمي الجمرتين الأوليين وفيها ويرمي الجمرتين جميعا من فوقهما والعقبة من أسفلها .




الخدمات العلمية