الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وعلى الرجل محيط بعضو ، وإن بنسج أو زر أو عقد : كخاتم وقباء [ ص: 303 ] وإن لم يدخل كما ، وستر وجه [ ص: 304 ] أو رأس بما يعد ساترا : كطين ، ولا فدية في سيف ، وإن بلا عذر واحتزام ، أو استثفار لعمل فقط .

التالي السابق


( و ) حرم بالإحرام ( على الرجل ) أي : الذكر ولو رقيقا أو صبيا وتتعلق الحرمة بوليه ( محيط ) بضم الميم وكسر الحاء المهملة بالبدن كقميص أو ( بعضو ) كالتاسومة والقبقاب عريض السير لا المداس رقيق السير وإن كان محيطا للضرورة إن كانت إحاطته بخياطة بل ( وإن ) كانت إحاطته ( ب ) سبب ( نسج ) على صورة المخيط كدرع حديد فإن العرب تسميه منسوجا . وشراب بضم الشين المعجمة وهو المنسوج بالإبرة على هيئة الرجل والساق أو لصق لبد على صورته أو سلخ جلد حيوان بلا شق كالقربة ولبسه محيطا ببدنة أو بعض أعضائه .

( أو ) كانت إحاطته بسبب ( زر ) بفتح الزاي أي : إدخال زر بكسر الزاي في عروته كالذي يجعله العسكري على ساقه ويزرره ( أو ) بسبب ( عقد ) يربط أو تخليل يعود كما في العتبية فلا يحرم على الرجل ستر بدنه بمخيط غير محيط كإزار مرقع برقاع وبردة ملفقة من شقتين ، وكارتداء أو ائتزار بنحو قميص .

وشبه في المنع ووجوب الفدية فقال ( كخاتم ) فيحرم لبسه على الرجل ولو فضة زنة درهمين وفيه الفدية إن طال ( وقباء ) بفتح القاف ممدودا ومقصورا مشتق من القبور وهو الضم والجمع سمي به لانضمام أطرافه ، وأول من لبسه نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام [ ص: 303 ] إن أدخل يديه في كميه بل ( وإن لم يدخل كما ) بضم الكاف وشد الميم في يد بشرط إدخال منكبيه أو أحدهما في محله الخاص المحيط به ، فإن جعل أسفله على كتفيه ولم يدخل رجليه في كميه ولا إحداهما فلا يحرم لعدم إحاطته حينئذ وفي عبارة المتن قلب والأصل وإن لم يدخل يده كما أو المفعول محذوف وكما ينزع الخافض أي : يده في كم .

( و ) حرم بالإحرام على الرجل ( ستر وجه ) جميعه وأما بعضه ففيه قولان حملت المدونة عليهما أحدهما وجوب الفدية فيه ، والثاني عدم وجوبها قال بعض الشارحين : الأول هو الظاهر لقرنه بالرأس الواجب في تغطية بعضه الفدية ونص حجها الثالث وإحرام الرجل في وجهه ورأسه والمرأة في وجهها وكفيها والذقن منهما فيه سواء لا بأس بتغطيته لهما وإن غطى المحرم رأسه أو وجهه ناسيا أو جاهلا ، فإن نزعه من مكانه فلا شيء عليه ، وإن تركه حتى انتفع به افتدى ا هـ .

ابن عبد السلام في الحج الأول من المدونة يكره للمحرم أن يغطي ما فوق الذقن فإن فعل فلا شيء عليه لما جاء عن عثمان " رضي الله عنه " ، وفي الثالث منها لا بأس بتغطية الذقن للرجل والمرأة وفيه أيضا ولو نام فغطى رجل وجهه أو رأسه أو طيبه أو حلق رأسه ثم انتبه فلينزع ذلك وليغسل الطيب عنه ولا شيء عليه ، والفدية على من فعل به ذلك فانظر كيف أوجب الفدية على فاعل ذلك بالنائم إذا غطى وجهه وأسقطها عن الذقن وعما فوق الذقن مراعاة لقول عثمان " رضي الله عنه " .

فمن الشيوخ من حمل المدونة على قولين كما أشار إليه المصنف ، ومنهم من حمل قوله ما فوق الذقن على أنه لم يرد به تغطية جميع الوجه بل ما حوالي الذقن وأنه لا يختلف في منع تغطية الوجه وأن الفدية في ذلك ، وهذا الوجه أقرب إلى لفظ المدونة ا هـ . فأنت ترى أن التأويلين في كلامها العام في الرجل والمرأة فتأمله . ونقل في توضيحه كلام عبد السلام وأقره قاله الرماصي وفهم من قوله ستر وجه إن ستر ما أسدل من لحيته ليس فيه شيء . وبه صرح سند . [ ص: 304 ] و ) أي : حرم بالإحرام على الرجل ستر ( رأس ) وصلة ستر ( بما يعد ساترا ) عرفا ولغة بقرينة قوله ( كطين ) ; لأنه يدفع الحر فأولى غيره من عمامة وخرقة وقلنسوة والكاف للتشبيه ; لأنه لا يعد ساترا عرفا أو للتمثيل ; لأنه يعد ساترا في هذا الباب .

( ولا فدية ) عليه ( في ) تقليد ( سيف ) بعنقه عربي أو رومي كما هو ظاهره والأولى قصره على الأول إذ علاقة الرومي عريضة ومتعددة فهو حرام إن تقلد به لعذر بل ( وإن ) تقلده ( بلا عذر ) وحرم ووجب نزعه فورا إن تقلده بلا عذر كما هو ظاهر المدونة . أحمد والظاهر أن السكين ليست كالسيف قصرا للرخصة على موردها .

( و ) لا فدية في ( احتزام ) بثوبه أو غيره على المذهب خلافا لتت . البناني قوله بثوبه أو غيره صحيح ; لأنه ظاهر قولها المحرم لا يحتزم بحبل أو خيط إذا لم يرد العمل فإن فعل افتدى ، وإن أراد العمل فجائز له أن يحتزم وعلى ظاهرها حملها أبو الحسن وابن عرفة وغيرهما ، وفي الجواهر وافتدى إن احتزم بحبل أو خيط لغير عمل فإن كان لعمل فلا فدية عليه ، وقيد في مختصر الوقار الاحتزام بكونه بلا عقد ، واقتصر عليه الحط ولم يذكره ابن شاس ولا ابن الحاجب ولا ابن عبد السلام ولا الموضح ولا ابن عرفة . ( و ) لا فدية في ( استثفار ) أي لي طرفي المئزر بين فخذيه وغرزهما في وسطه فيصير الإزار كالسراويل بلا عقد ، فإن عقدهما فعليه فدية ( لعمل فقط ) قيد في الاحتزام والاستثفار ، فإن كانا لغير عمل ففيهما الفدية . .




الخدمات العلمية