الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 358 ] والجزاء بحكم عدلين ( عند الصيد في الحرم ) [ ص: 359 ] فقيهين بذلك [ ص: 360 ] مثله من النعم أو إطعام بقيمة الصيد يوم التلف بمحله . وإلا فبقربه .

التالي السابق


( والجزاء ) سواء كان مثلا من النعم بكسر الميم أو طعاما أو صياما مشروط ( بحكم ) رجلين ( عدلين ) ( فقيهين عند الصيد في الحرم ) عدالة شهادة فتتضمن الحرية والبلوغ والعلم بالمحكوم به ، ولو كان الصيد محرما كخنزير . وتعتبر قيمته طعاما على تقدير جواز بيعه ، فإن أخرج الجزاء بلا حكم ( الصيد في الحرم ) أعاده بعد الحكم ولا بد من لفظ الحكم ولا تكفي الفتوى ولا الإشارة ; لأن الحكم إنشاء فلا بد فيه من اللفظ . ولا يشترط فيه إذن الإمام . ولا بد من كونهما غير المحكوم عليه أفاده عب . البناني قوله مثلا بكسر الميم إلخ هذا التعميم هو ظاهر كلام المصنف . الحط ما علمت خلافا في اشتراط الحكم في الأولين وأما الصوم فصرح ابن الحاجب باشتراطه فيه .

وذكر سند فيه خلافا بعد أن قال لا يختلف أهل المذهب في ندبه قال قال الباجي الأظهر عندي استئناف الحكم في الصوم ; لأن تقدير الأيام بالأمداد موضع اجتهاد فقد خالف فيه بعض الكوفيين فقال صوم يوم يعدل مدين ، وبالحكم يتخلص من الخلاف . وظاهر كلام ابن عرفة بل صريحه أنه لا يشترط فيه الحكم . الرماصي أطلق الخلاف فظاهره من غير تفصيل وليس كذلك فلا بد من بيان محله الفاكهاني إن أراد ابتداء أن يصوم فلا بد أن يحكما عليه فينظرا لقيمة الصيد ; لأنه لا يعرف قدر الصوم إلا بمعرفة قدر الطعام ، ولا يكون الطعام إلا بحكم . [ ص: 359 ] وأما إن أراد الطعام فلما حكما عليه به أراد الصيام ، فها هنا قال جماعة من أصحابنا لا يحتاج إلى حكمهما بالصوم ; لأنه بدل من الطعام لا من الصيد ، بدليل قوله تعالى { أو عدل ذلك صياما } ، وكأنه مقدر بالطعام بتقدير الشرع فلا حاجة إلى الحكم . ا هـ . فينزل كلام ابن الحاجب تبعا لابن شاس على الأول ونحوهما قولها والمحكوم عليه مخير إن شاء أن يحكما عليه بجزاء ما أصاب من النعم أو بالصيام أو بالطعام ، كما قال الله تعالى فإن أمرهما بالحكم فالجزاء من النعم ، فحكما به وأصابا فأراد بعد حكمهما أن يرجع إلى الصيام أو الطعام يحكمان عليه به هما أو غيرهما فلذلك له ا هـ .

وكلام سند والباجي وابن عرفة على الثاني ، وظاهر قولها وإن أصاب المحرم اليربوع والضب والأرنب وشبهه حكم فيه بقيمته طعاما ، وخير المحرم فإما أطعم لكل مسكين مدا أو صام لكل مد يوما عدم احتياج الصوم للحكم في الثاني .

قوله ولا بد من لفظ الحكم عبارة الخرشي لا بد من لفظ الحكم والأمر بالجزاء ، ومثلها في الحط عن سند . ومعنى قوله والأمر بالجزاء أن المحكوم عليه يأمرهما بالحكم عليه بالجزاء ، أي : بأحد الثلاثة لا بخصوص لفظ الجزاء . والذي في تت قال في الشامل لا بد من لفظ الحكم والجزاء . طفي هكذا في نسخة في الصغير والكبير التي وقفت عليها ، وعبارة الشامل لا بد من لفظ الحكم والأمر بالجزاء ، وهكذا عبارة سند التي نقلها الحط وعج ، وهذا هو الصواب إذ لا يشترط أن يتلفظا بالجزاء بل الحكم ، ففي الموطإ قال عمر رضي الله تعالى عنه لرجل بجنبه تعال أحكم أنا وأنت ، فحكما عليه وفيه أيضا فقال عمر لكعب تعال نحكم . ومعنى قوله والأمر بالجزاء أن يأمرهما المحكوم عليه بالحكم عليه لا بخصوص لفظ الجزاء ففيها فإن أمرهما بالحكم بالجزاء من النعم فحكما به وأصابا إلخ . وقال ابن كنانة قال عمر لعثمان ونافع بن الحارث احكما فحكما عليه .

( فقيهين ) أي : عالمين ( بذلك ) أي حكم جزاء الصيد لا بجميع أبواب الفقه ، وخبر [ ص: 360 ] الجزاء ( مثله ) أي مقارب الصيد في القدر والصورة إن وجد وإلا كفى مقاربه في القدر وبين المثل فقال ( من النعم ) أي : الإبل والبقر والغنم ( أو إطعام بقيمة الصيد ) نفسه حيا كبيرا ولا يقوم بدراهم ثم يشتري بها طعاما ، لكن إن فعل أجزأ ، ولا يقوم مثله من النعم بل يقوم نفس ، الصيد وتعتبر قيمته ( يوم التلف ) لا يوم تقويم الحكمين ولا يوم التعدي ولا يوم الأكثر من طعام جل عيش ذلك المحل ، ويعتبر كل من الإطعام والتقويم ( بمحله ) أي التلف إن كانت له قيمة فيه ووجد به مساكين .

( وإلا ) أي : وإن لم يكن له قيمة بمحله أو لم يوجد فيه مساكين ( ف ) يقوم أو يطعم ( بقربه ) أي : محل التلف ، فإن لم يمكنا بقربه أيضا فإذا رجع إلى بلده حكم اثنين ووصف لهما الصيد وذكر لهما سعر الطعام بمحل التلف ، فإن تعذر عليهما تقويمه بطعام قوماه بدراهم واشترى بها طعاما وبعثه إلى محل التلف أو قربه .




الخدمات العلمية