الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 413 - 414 ] أو غير حل له إن ثبت بشرعنا ، [ ص: 415 ] وإلا كره كجزارته ، وبيع ، وإجارة لعبده ، وشراء ذبحه ، [ ص: 416 ] وتسلف ثمن خمر ، وبيع به ، لأخذه قضاء ، وشحم يهودي ، [ ص: 417 ] وذبح لصليب ، أو عيسى وقبول متصدق به لذلك ، [ ص: 418 ] وذكاة خنثى ، وخصي ، وفاسق .

التالي السابق


ولما كان في مفهوم مستحله تفصيل بينه بقوله ( أو ) ما ذبحه أو نحره الكتابي من كل حيوان ( غير حل له ) أي اليهودي في زعمه ( إن ثبت ) تحريمه عليه المنسوخ ( بشرعنا ) [ ص: 415 ] وهو قوله تعالى { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر } الأنعام ، فيحرم علينا أن نأكل ما ذبحه من ذلك فلا اعتراض على إطلاق المصنف ، وكلام المصنف صريح في أن المراد شرعنا أخبر عن شرعهم بأنه حرم عليهم كل ذي ظفر وهي الإبل ، وحمر الوحش والنعام والإوز لا الدجاج وكل ما ليس مشقوق الظلف ولا منفرج القوائم ، بخلاف مشقوقها كالبقر والغنم والظباء كما في ابن عرفة في قوله تعالى { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر } أي : حرمنا عليهم في شريعة نبيهم .

( وإلا ) أي : وإن لم يثبت تحريمه عليهم بشرعنا أي : ولم يخبر شرعنا بأنه حرم عليهم وإنما هم الذين أخبروا أن شرعهم حرم عليهم ذلك كالطريقة وهي فاسدة الرئة أي : ملتصقتها بظهر الحيوان ( كره ) لنا أكله وشراؤه فإخبار شرعنا له تأثير في حقنا في حرمة مذكاة علينا . وليس الدجاج من ذي الظفر ; لأنه مشقوق الأصابع فيباح لنا أكله بذبح اليهودي .

وشبه في الكراهة فقال ( كجزارته ) بكسر الجيم أي : يكره للإمام أن يقيم الكافر جزارا أي : ذباحا للمسلمين ما يستحله يبيعه لعدم نصحه لهم ، والجزار الذابح واللحام بائع اللحم والقصاب كاسر العظم وينبغي أن يراد هنا ما يعم الجميع ، وإما ما بضم الجيم فأطراف الحيوان يداه ورجلاه ورأسه ، وسواء كانت جزارته في الأسواق أو البيوت بناء على صحة استنابته في الذبح ، ويكره بيعه في أسواق المسلمين والشراء منه وكونه صيرفيا لذلك .

( و ) كره لمسلم ( بيع ) للكافر شيئا ( وإجارة ) للكافر شيئا ( لعبده ) أي الكافر ونحوه مما يظهر به دينه ( و ) كره لمسلم ( شراء ذبحه ) أي الكافر لنفسه مستحله لا أكله لقوله تعالى { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } المائدة وجمهور المفسرين على تفسير الطعام بالذبيحة سواء كان يباح بشرعه ، أم يحرم إن كان بمجرد إخباره كالطريقة وأما ما ثبت أنه كان يحرم عليه بشرعنا كذي الظفر لليهودي فيحرم أكله وشراؤه ويفسخ [ ص: 416 ] ( و ) كره لمسلم ( تسلف ثمن خمر ) من كافر ذمي أو حربي باعها الذمي أو حربي أو مسلم لكن ثمنها من مسلم أشد كراهة لقول ابن القاسم إذا أسلم الكافر فيتصدق بثمن الخمر إن لم يقبضه ، فإن قبضه أي قبل إسلامه كان له ولسحنون يتصدق به مطلقا ومفهوم من كافر أنها لو كانت لمسلم فباعها فيحرم تسلفه ; لأنه لا ليملكها إذ يجب عليه رد ثمنها وإراقتها .

( و ) كره لمسلم ( بيع ) لكافر شيئا ( به ) أي : ثمن الخمر ( لا ) يكره للمسلم ( أخذه ) أي : ثمن الخمر من كافر ( قضاء ) عن دين عليه للمسلم أو عن جزية لتقدم سببه بخلاف البيع أشار له أبو الحسن ويكره قبول هبة والصدقة به . واختلف في المال المكتسب من حرام كربا ومعاملة فاسدة إذا مات مكتسبه عنه فهل يحل للوارث وهو المعتمد أم لا ، وأما عين الحرام المعلوم مستحقة كالمسروق والمغصوب فلا يحل له وسيأتي في الغصب ، ووارثه إن علم كهو وقولهم الحرام لا يتعلق بذمتين ليس مذهبنا .

( و ) كره لمسلم أكل ( شحم يهودي ) من بقر أو غنم بشراء أو هبة لقوله تعالى { ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما } . فإن عزله كره لنا أكله بناء على أن الذكاة تتبعض ولم يحرم علينا مع ثبوت تحريمه بكتابنا أيضا ; لأنه جزء مذكى والمذكى حلال لهم فقد ذبح مستحله ، لكن لحرمة شحمه عليه كره لنا أكله وهو الشحم الخالص كالثرب بفتح المثلث والراء شحم رقيق يغشى الكرش ، والأمعاء والقطنة بكسر الطاء كمعدة التي مع الكرش وهي ذات الأطباق التي تسميها العامة رمانة لا ما اختلط بعظم أو لحم ولا الحوايا وهي الأمعاء والمباعر بنات اللين أفاده عب . البناني قوله على أن الذكاة تتبعض هكذا بالإثبات فيما رأيته من النسخ والصواب لا تتبعض بالنفي ، ولما ذكر في البيان في شحوم اليهود ثلاثة أقوال : الإجازة والكراهة والمنع وأنها ترجع إلى قولين : المنع والإجازة ; لأن الكراهة من قبيل الإجازة قال : والأصل في هذا اختلافهم في تأويل قول الله تعالى { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } ، هل المراد بذلك ذبائحهم أو ما يأكلون فمن ذهب [ ص: 417 ] إلى أن المراد به ذبائحهم أجاز أكل شحومهم ; لأنها من ذبائحهم ومحال أن تقع الذكاة على بعض الشاة مثلا دون بعض . ومن قال المراد ما يأكلون لم يجز أكل ، شحومهم ; لأن الله تعالى حرمها عليهم في التوراة على ما أخبر به في القرآن فليست مما يأكلون .

قوله والقطنة بكسر الطاء أي : وبالنون بعدها كما ، في القاموس . قوله والمباعر بنات اللبن . هكذا في نسخ تت و ز من غير عطف فاللبن بسكون الباء بمعنى الأكل وبنات اللبن الإمعاء التي يستقر فيها الأكل ، وهي المباعر جمع مبعر موضع البعر ، وهو رجيع ذات الخف والظلف ، فإن ضبطنا بنات اللبن بفتح الباء وهي الأمعاء التي يكون منها اللبن تعين تقدير العاطف .

( و ) كره ( ذبح ) بكسر الذال المعجمة أي : مذبوح ( لصليب ) أي للتقرب له ( أو ) لأجل التقرب إلى ( عيسى ) عليه الصلاة والسلام فاللام للتعليل فيهما فلا ينافي ذكر اسم الله تعالى ، فلذا كره أكلها بخلاف لام الاستحقاق في الصنم المفيدة للاختصاص ، فإنها منافية لذكر اسم الله تعالى ، فلذا منع أكلها كما تقدم ، فإن قصد بها الاستحقاق فكالذبح لصنم في منع الأكل كعكسه ، ومثل ما ذبح لصليب أو عيسى ما ذبحوه لكنائسهم وأعيادهم ومن مضى من أحبارهم ولجبريل عليه السلام ، وعلة الكراهة في الجميع قصدهم به تعظيم شركهم مع قصد الذكاة . ابن سراج ويلحق بهذا ما يفعله المحموم من طعام ويضعه على الطريق ويسميه ضيافة الجان قاله عب . البناني قوله لأجل التقرب له غير صحيح بل المراد ما ذكر عليه اسم الصليب أو عيسى كما تقدم تحريره .

( و ) كره لنا ( قبول متصدق به ) من الكافر ( لذلك ) المذكور من الصليب أو عيسى وكذا لأمواتهم ; لأن قبوله تعظيم لشركهم . تت وكذا قبول ما يهدونه في أعيادهم للمسلمين من رقاق وبيض وكره مالك " رضي الله عنه " عنه جبن المجوس لما فيه من أنافح الميتة ا هـ . أي : فإن تحقق وضعهم أنافحها فيه حرم قطعا وإن تحقق عدم وضعها فيه أبيح قطعا ، وإن شك كره لمجرد الإشاعة ولا يحرم ; لأن الطعام لا يطرح بالشك ولأن [ ص: 418 ] صنائع الكفار محمولة على الطهارة كنسجهم كما اختاره البساط وجماعة واختار ابن عرفة خلافه . وذكر أبو إسحاق التونسي أن جبن المجوس حرام لعدم توقيهم النجاسة قطعا وجبن أهل الكتاب حلال ومثله عن مالك " رضي الله عنه " عنه البناني أنافح جمع إنفحة بكسر الهمزة وشد الحاء وقد تكسر الفاء شيء يستخرج من بطن الجدي الراضع أصفر فيعصر في صوفه فيغلظ اللبن للجبن ،

( و ) كره ( ذكاة ) أي : ذبح أو نحر شخص ( خنثى ) مشكل ( وخصي ) وأولى مجبوب ( وفاسق ) لنفسه أو غيره لضعف الأولين ونقص دين الثالث . وقال البساطي لنفور النفس من أفعالهم ، وأما تعليل الأولين بالضعفة فنقض بالمرأة والثالث بالكافر قاله تت ، قد يقال المرأة أقوى من الخصي لبقائها على خلقتها ، ومثل المرأة في عدم كراهة مذكاها الأغلف والجنب والحائض والنفساء والأخرس ، ويفرق بين الفاسق والكافر بأن للكافر دينا يقر عليه بالجزية ، بخلاف الفاسق كما عللوا به جواز الخطبة على الفاسق دون الكافر سالم ، ومقتضى هذا أن مذكى الكافر لنفسه لا يكره لنا أكله ، ويدل له أن المكروه كونه جزارا في أسواق المسلمين لا تذكيته لنفسه مستحلة . وشمل الفاسق تارك الصلاة وأهل البدع على القول بإسلامهم ، ولا تكره من نصراني عربي أو عجمي أجاب للإسلام قبل بلوغه ولا من امرأة وصبي ولو لغير ضرورة على مذهب المدونة . والذي حصله ابن رشد كما في التوضيح ستة لا تجوز ذكاتهم وستة تكره وستة اختلف فيهم ، فالستة الذين لا تجوز ذكاتهم الصبي الذي لا يميز والمجنون حال جنونه ، والسكران غير المميز والمجوسي والمرتد والزنديق . والستة الذين تكره ذكاتهم الصبي المميز والمرأة والخنثى والخصي والأغلف والفاسق والمختلف فيهم تارك الصلاة والسكران يخطئ ويصيب ، والبدعي المختلف في كفره ، والعربي النصراني ، والنصراني يذبح للمسلم بإذنه والأعجمي يجيب للإسلام قبل بلوغه ا هـ . وإن كان المشهور في المرأة والصبي عدم الكراهة كما في التوضيح وغيره ونظمها بعضهم فقال : [ ص: 419 ]

ذكاة مجوسي ومغمى وطافح وطفل ومرتد ومن قد تزندقا حرام وزاد أنثى وخنثى وأغلفا
خصيا وطفلا عاقلا وفويسقا ولكنها مكروهة وتنازعوا بنشوان
أو من كفره ما تحققا وفي كافر ذكى بإذن لمسلم
وفي عربي بالنصارى تعلقا






الخدمات العلمية