الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
تنبيهان . أحدهما : قوله ( وما لا يجهر فيه ) . يعني أنه يستحب للمأموم أن يقرأ في سكتات الإمام ، وفيما لا يجهر فيه [ ص: 231 ] فيقرأ فيما يجهر فيه في سكتات الإمام الفاتحة أو غيرها على ما تقدم ، ويقرأ بها أيضا فقط في غير الأوليين ، ويقرأ بالفاتحة وغيرها في الأوليين فيما لا يجهر فيه نص عليه . الثاني : ظاهر قوله ( ويستحب أن يقرأ في سكتات الإمام ) أنه لا يستحب للمأموم القراءة حال جهر الإمام ، وهو صحيح ، بل يكره ، على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع ، والرعاية ، والحاوي ، وغيرهم ، وعنه يستحب بالحمد اختاره المجد ، وهو ظاهر كلام ابن هبيرة ، وقاله أحمد في رواية إبراهيم بن أبي طالب ، وقيل : يحرم قال الإمام أحمد : لا يقرأ ، وقال أيضا : لا يعجبني وقدمه ابن تميم ، وقال : يحرم ، وتبطل الصلاة به أيضا اختاره ابن حامد وأومأ إليه أحمد . قوله ( أو لا يسمعه لبعده ) يعني أنه يستحب أن يقرأ إذا لم يسمع الإمام لبعده ، وهذا المذهب ، وعليه أكثر الأصحاب .

قال الزركشي : اختاره الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره ، وقيل : لا يقرأ ، وحكاه الزركشي وغيره رواية ، وأطلقهما في مختصر ابن تميم ، والتلخيص ، والبلغة ، والرعايتين ، والحاويين ، وتجريد العناية فعلى المذهب : لو سمع همهمة الإمام ، ولم يفهم ما يقول : لم يقرأ ، على الصحيح من المذهب نقلها الجماعة عن الإمام أحمد وقدمه في الفروع ، والرعاية ، وعنه يقرأ ، نقلها عبد الله ، واختارها الشيخ تقي الدين قال في الفروع : وهي أظهر قلت : وهو الصواب ، وأطلقهما الزركشي قوله ( فإن لم يسمعه لطرش ، فعلى وجهين ) ، وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والتلخيص ، والبلغة ، والرعاية الصغرى ، والحاويين ، وكذا في الرعاية الكبرى في باب صلاة [ ص: 232 ] الجماعة ، وشرح المجد ، وابن منجا ، والنظم ، وابن تميم ، والفروع ، وتجريد العناية أحدهما : يستحب أن يقرأ إذا كان قريبا بحيث لا يشغل من إلى جنبه ، وهو المذهب ، اختاره المصنف قال في الرعاية الكبرى ، في صفة الصلاة : قرأ في الأقيس وجزم به في الإفادات والوجه الثاني : لا يقرأ ، بل يكره جزم به في الوجيز ، وصححه في التصحيح قال في مجمع البحرين : هذا أولى .

تنبيه : منشأ الخلاف : كون الإمام أحمد رحمه الله سئل عن الأطرش أيقرأ ؟ قال : لا أدري . فقال الأصحاب : يحتمل وجهين فبعض الأصحاب حكى الخلاف في الكراهة والاستحباب مطلقا ، منهم أبو الخطاب ، ومن تابعه ، وهو ظاهر كلام المصنف هنا ، وبعضهم خص الخلاف بما إذا خلط على غيره منهم ابن حمدان في رعايته ، والمصنف في المغني قال في مجمع البحرين : الوجهان إذا كان قريبا لا يمنعه إلا الطرش وكذا أضافه الشيخ يعني به المصنف في المقنع ، وإضافة الحكم إلى سبب تقتضي استقلاله ، لكن لا يفهم من لفظ الشيخ الحكم على الوجه الثاني ما هو ؟ لتوسط الإباحة بينهما فإن اجتمع مع الطرش البعد قرأ بطريق الأولى ، على ما تقدم فأما إن قلنا لا يقرأ البعيد الذي لا يسمع : لم يقرأ صاحب الطرش هنا ، قولا واحدا كذا قال المجد في شرحه . قوله ( وهل يستفتح ويستعيذ فيما يجهر فيه الإمام ؟ على روايتين ) وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، اعلم أن للأصحاب في محل الخلاف طرقا أحدها : أن محل الخلاف : في حال سكوت الإمام فأما في حال قراءته ، فلا يستفتح ولا يستعيذ ، رواية واحدة ، وهي طريقة المصنف في المغني ، والشارح ، [ ص: 233 ] وصاحب الفائق ، وابن حمدان في رعايته الكبرى ، في باب صفة الصلاة قال الشيخ تقي الدين : من الأصحاب من قال ذلك . الطريق الثاني : أن محل الروايتين : يختص حالة جهر الإمام ، وسماع المأموم له دون حالة سكتاته ، وهي طريقة القاضي في المجرد ، والخلاف ، والطريقة ، نقله عنه المجد في شرحه ، وصاحب مجمع البحرين قال الشيخ تقي الدين : المعروف عند أصحاب الإمام أحمد : أن النزاع في حالة الجهر ; لأنه بالاستماع يحصل مقصود القراءة ، بخلاف الاستفتاح والتعوذ وقطع به في المحرر وغيره .

الطريق الثالث : أن الخلاف جار في حال جهر الإمام وسكوته ، وهو ظاهر كلام المصنف هنا ، وأبي الخطاب ، وابن الجوزي وغيرهم ، وهو كالصريح في الفروع ، والرعايتين ، والحاويين ، وغيرهم ، لكونهم حكوا الروايتين مطلقتين ، ثم حكوا رواية بالتفرقة قلت : وهذه الطريقة هي الصحيحة فإن الناقل مقدم على غيره ، والتفريع عليها فإحدى الروايات : أنه يستحب له أن يستفتح ويستعيذ مطلقا جزم به في الوجيز وقدمه في الرعايتين في صلاة الجماعة ، والحاويين ، والرواية الثانية : يكره أن يستفتح ويستعيذ مطلقا . صححه في التصحيح واختاره الشيخ تقي الدين ، وعنه رواية ثالثة : إن سمع الإمام كره ، وإلا فلا جزم به في المنور وقدمه في المحرر ، وصححه ابن منجا في شرحه قال في الرعاية الكبرى ، في باب صفة الصلاة : ولا يستفتح ، ولا يتعوذ مع جهر إمامه ، على الأصح قال في النكت : هذا هو المشهور ، وعنه رواية رابعة : يستحب أن يستفتح ، ويكره أن يتعوذ اختاره القاضي في الجامع قال في مجمع البحرين : وهو الأقوى ، وأطلقهن في الفروع .

التالي السابق


الخدمات العلمية