الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 98 ] ( ولابن العم أن يزوج بنت عمه الصغيرة ) فلو كبيرة فلا بد من الاستئذان ، حتى لو تزوجها بلا استئذان فسكتت أو أفصحت بالرضا لا يجوز عندهما . وقال أبو يوسف : يجوز وكذا المولى المعتق والحاكم والسلطان جوهرة به يفتي بخلاف الصغيرة كما مر فليحرر ( من نفسه ) فيكون أصيلا من جانب وليا من آخر ( كما للوكيل ) [ ص: 99 ] الذي وكلته أن يزوجها على نفسه فإن له ( ذلك ) فيكون أصيلا من جانب وكيلا من آخر ( بخلاف ما لو وكلته بتزويجها من رجل فزوجها من نفسه ) لأنها نصبته مزوجا لا متزوجا ( أو وكلته أن يتصرف في أمرها أو قالت له زوج نفسي ممن شئت ) لم يصح تزويجها من نفسه كما في الخانية [ ص: 100 ] والأصل أن الوكيل معرفة بالخطاب فلا يدخل تحت النكرة

التالي السابق


( قوله ولابن العم إلخ ) هذه من فروع قوله : ويتولى طرفي النكاح واحد ليس بفضولي من جانب فيتولاه هنا بالأصالة من جانبه والولاية من جانبها ومثل الصغيرة المعتوهة والمجنونة ولا يخفى أن المراد حيث لا ولي أقرب منه ( قوله فلا بد من الاستئذان ) أي إذا زوجها لنفسه لا بد من استئذانها قبل العقد ( قوله لا يجوز عندهما ) لأنه تولى طرفي النكاح ، وهو فضولي من جانبها فلم يتوقف عندهما بل بطل كما مر ، وإذا لم يتوقف لا ينفذ بالإجازة بعده بالسكوت أو الإيضاح ، وهذا إذا زوجها لنفسه كما قلنا أما لو زوجها لغيره ، وبلا استئذان سابق ، فسكتت بكرا أو أفصحت بالرضا ثيبا يكون إجازة لأنه انعقد موقوفا لكونه لم يتول الطرفين بنفسه ، بل باشر العقد مع غيره من أصيل ، أو ولي أو وكيل أو فضولي فتكون المسألة حينئذ من فروع قوله كنكاح فضولي ( قوله جوهرة ) جميع ما تقدم من قوله ولابن العم إلى قوله السلطان عبارة الجوهرة ح ( قوله يعني بخلاف الصغيرة إلخ ) توضيحه أن قول الجوهرة ، وكذا المولى إلخ إشارة إلى أن ذكر ابن العم أولا غير قيد : بل المراد به من له ولاية التزوج والتزويج ، وظاهره أن هذا التعميم جار في الصغيرة والكبيرة أي يزوج الولي الصغيرة من نفسه ، وكذا الكبيرة لكن بالاستئذان ، وهذا صحيح في الكبيرة أما الصغيرة فلا لأنه ليس للحاكم والسلطان أن يتزوجا صغيرة لا ولي لها غيرهما لأن فعلهما حكم فيتعين أن يكون قول الجوهرة وكذا إلخ راجعا إلى قوله : فلو كبيرة لبيان تعميم الولي فيها فقط ، وهذا معنى قول الشارح بخلاف الصغيرة كما مر أي في الفروع من الباب السابق ، في قوله : ليس للقاضي تزويج الصغيرة على نفسه إلخ لكن بعد حمل كلام الجوهرة على هذا يبقى فيه إشكال آخر ، وهو أن الحاكم والسلطان لا يزوجان الصغيرة لنفسهما لأن فعلهما حكم كما مر ، وهذا لا يظهر في المولى المعتق فقرانه معهما في الذكر ، وإن ظهر بالنسبة إلى الكبيرة لكنه لا يظهر بالنسبة إلى الصغيرة المفهومة من التقييد بالكبيرة ، فلذا قال فليحرر فافهم .

والذي يظهر أنه لا مانع من تزوج المولى المعتق معتقته الصغيرة لنفسه حيث الأولى أقرب منه لأنه حينئذ [ ص: 99 ] هو الولي المجبر فيكون أصيلا من جانبه وليا من جانبها كابن العم ، فيكون داخلا تحت قولهم : ويتولى طرفي النكاح واحد ليس بفضولي من جانب ، ولا يعارض ذلك عبارة الجوهرة التي هي غير محررة إذ لولا وجود المانع في الحاكم ، وهو أن فعله حكم لكان داخلا تحت هذه القاعدة ولا مانع في المولى ، فيبقى داخلا تحتها وأيضا لو كان المولى كالحاكم يلزم أن لا يملك تزويجها من ابنه ونحوه ممن لا تقبل شهادته له ، ويخالفه ما في الفتح عن التجنيس لو زوج القاضي الصغيرة التي هو وليها من ابنه لا يجوز كالوكيل ، بخلاف سائر الأولياء لأن تصرف القاضي حكم وحكمه لابنه لا يجوز بخلاف تصرف الولي ا هـ . فقوله بخلاف سائر الأولياء يشمل المولى المعتق فهذا صريح في أنه ليس كالقاضي .

[ تنبيه ] تقدم أن المعتق آخر العصبات وأن له ولاية التزويج ، ولو كان امرأة ثم بنوه وإن سفلوا ثم عصبته من النسب على ترتيبهم كما في الفتح ، وحيث علمت أن له تزويج الصغيرة لنفسه ، فكذا بنوه وعصباته ، وكذا لو كان امرأة تزوج معتقها الصغير لنفسها والله تعالى أعلم .

( قوله من نفسه ) في المغرب زوجته امرأة وتزوجت امرأة وليس في كلامهم تزوجت بامرأة ، ولا زوجت منه امرأة ( قوله فإن له ذلك ) أي تزويجها لنفسه بشرط أن يعرفها الشهود ، أو يذكر اسمها واسم أبيها وجدها أو تكون حاضرة منتقبة ، فتكفي الإشارة إليها وعند الخصاف لا يشترط كل ذلك : بل يكفي قوله زوجت نفسي من موكلتي كما بسطه في الفتح والبحر ، وقدمنا الكلام عليه عند قوله وبشرط حضور شاهدين ثم إن قول الشارح : فإن له إخراج إعراب المتن عن أصله ، ولا يضر ذلك لأنه لم يغير اللفظ ، وإنما زاده لإصلاح المتن فإن قول المصنف كما للوكيل الكاف فيه للتشبيه بمسألة ابن العم وما مصدرية أو كافة وللوكيل خبر مقدم والمصدر المنسبك من أن وصلتها مبتدأ مؤخر واسم الإشارة بدل منه وفيه أمران :

الأول : إطلاق الوكيل مع أن المراد منه وكيل مقيد بأن يزوجها من نفسه والثاني : إنه لا حاجة إلى زيادة اسم الإشارة فأصلح الشارح الأول بزيادة قوله الذي وكلته ، والثاني بزيادة قوله فإن له وحينئذ فقوله للوكيل خبر لمبتدأ محذوف تقديره أن يزوج من نفسه ، ولم يصرح به لدلالة التشبيه عليه وقوله الذي وكلته إلخ نعت للوكيل ، ولا يخفى حسن هذا السبك . نعم يمكن إصلاح كلام المتن بدونه بجعل اسم الإشارة مبتدأ ، وللوكيل خبره وقوله أن يزوجها على تقدير الباء الجارة متعلق بالوكيل ، وهذا وإن صح لكنه غير متبادر من هذا اللفظ وعلى كل فلا خلل في كلام الشارح فافهم ( قوله من رجل ) أي غير معين ، وكذا المعين بالأولى ، وفي الهندية عن المحيط : رجل وكل امرأة أن تزوجه فزوجت نفسها منه لا يجوز . ا هـ . ( قوله فزوجها من نفسه ) وكذا لو زوجها من أبيه أو ابنه عند أبي حنيفة كما قدمناه عن البحر لأن الوكيل لا يعقد مع من لا تقبل شهادته له للتهمة ( قوله لأنها إلخ ) يوهم الجواز لو زوجها من أبيه أو ابنه ، وقد علمت أنه لا يجوز ( قوله أو وكلته أن يتصرف في أمرها ) لأنه لو أمرته بتزويجها لا يملك أن يزوجها من نفسه فهذا أولى هندية عن التجنيس .

قلت : ومقتضى التعليل صحة تزويجها : من غيره وينبغي تقييده بالقرينة ، وينبغي أنه لو قامت قرينة على إرادة تزويجها منه أنه يصح كما لو خطبها لنفسه فقالت : أنت وكيل في أموري ( قوله أو قالت له ) في غالب النسخ بأو وفي بعضها بالواو والأول هو الموافق لما في البحر وغيره فهي مسألة ثانية ونقل المصنف في المنح عن جواهر الفتاوى [ ص: 100 ] أنه يصح قال البزدوي لعل هذا القائل ذهب إلى أنها علمت من الوكيل أنه يريد تزويجها فحينئذ يجوز ( قوله لم يصح ) أي لم ينفذ بل يتوقف على إجازتها لأنه صار فضوليا من جانبها ( قوله والأصل إلخ ) بيانه أن قولها وكلتك أن تزوجني من رجل ; الكاف فيه للخطاب ، فصار الوكيل معرفة وقد ذكرت رجلا منكرا والمعرف غيره ، وكذا قولها ممن شئت فإنه بمعنى أي رجل شئته




الخدمات العلمية