الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل في الحداد جاء من باب أعد ومد وفر ، وروي بالجيم ، وهو لغة كما في القاموس : ترك الزينة للعدة . وشرعا ترك الزينة ونحوها لمعتدة بائن ، أو موت .

( تحد ) بضم الحاء وكسرها كما مر ( مكلفة مسلمة - ولو أمة - منكوحة ) بنكاح صحيح ودخل بها ، بدليل قوله .

[ ص: 531 ] ( إذا كانت معتدة بت ، أو موت ) وإن أمرها المطلق ، أو الميت بتركه لأنه حق الشرع ، إظهارا للتأسف على فوات النكاح ( بترك الزينة ) بحلي أو حرير ، أو امتشاط بضيق الأسنان ( والطيب ) وإن لم يكن لها كسب إلا فيه ( والدهن ) ولو بلا طيب كزيت خالص ( والكحل والحناء ولبس المعصفر والمزعفر ) ومصبوغ بمغرة ، أو ورس ( إلا بعذر ) [ ص: 532 ] راجع للجميع إذ الضرورات تبيح المحظورات ، ولا بأس بأسود وأزرق ومعصفر خلق لا رائحة له ( لا ) حداد على سبعة : كافرة وصغيرة ، ومجنونة و ( معتدة عتق ) كموته عن أم ولده ( و ) معتدة ( نكاح فاسد ) أو وطء بشبهة أو طلاق رجعي .

التالي السابق


فصل في الحداد لما ذكر نفس وجوب العدة وكيفية وجوبها أخذ يذكر ما وجب فيها على المعتدات ، فإنه في المرتبة الثانية من أصل وجوبها فتح .

( قوله : جاء من باب أعد ومد وفر ) أي أنه جاء من المزيد ومن المجرد الذي كنصر ، أو كضرب قال في المصباح : أحدت المرأة إحدادا فهي محد ومحدة إذا تركت الزينة لموته ، وحدت تحد وتحد حدادا بالكسر فهي حاد بغيرها ، وأنكر الأصمعي الثلاثي فاقتصر على الرباعي ا هـ ولذا قدمه الشارح . ( قوله : وروي بالجيم ) أي من جددت الشيء : قطعته ، فكأنها انقطعت عن الزينة وما كانت عليه نهر . ( قوله : ترك الزينة للعدة ) أي مطلقا ولو من رجعي ، أو كانت كافرة ، أو صغيرة فيكون أعم من الشرعي ط . ( قوله : ونحوها ) كالطيب والدهن والكحل ط . ( قوله : تحد ) أي وجوبا كما في البحر . ( قوله : بضم الحاء ) يعني وفتح التاء من باب " مد " . ا هـ . ح . ( قوله : وكسرها ) يعني : وفتح التاء فيكون من باب فر ، أو ضمها فيكون من باب أعد . ا هـ . ح . ( قوله : مكلفة ) أي بالغة عاقلة ، ويأتي محترزه ومحترز باقي القيود . ( قوله : مسلمة ) شمل من أسلمت في العدة ، فتحد فيما بقي منها جوهرة . ( قوله : ولو أمة ) لأنها مكلفة بحقوق الشرع ما لم يفت به حق العبد بحر .

والحاصل أن الحداد لا يفوت حق المولى لأنها محرمة عليه ما دامت في العدة ، بخلاف اعتدادها في بيت الزوج كما يأتي . ( قوله : منكوحة ) بالرفع نعت لمكلفة ح . ( قوله : ودخل بها ) هذا القيد صحيح بالنسبة لمعتدة البت ، أما . [ ص: 531 ] معتدة الموت فيجب عليها العدة ، ولو كانت غير مدخولة فيجب فيها الحداد ، فكان الصواب إسقاط هذا القيد فإن لفظ معتدة يغني عنه . ا هـ . ح . ( قوله : إذا كانت معتدة بت ) من البت : وهو القطع : أي المبتوت طلاقها وهي المطلقة ثلاثا ، أو واحدة بائنة ، والفرقة بخيار الجب والعنة ونحوهما نهر . ( قوله : لأنه حق الشرع ) أي فلا يملك العبد إسقاطه ولأن هذه الأشياء دواعي الرغبة وهي ممنوعة عن النكاح ، فتجتنبها لئلا تصير ذريعة إلى الوقوع في المحرم هداية ط . ( قوله : بترك الزينة ) متعلق بتحد والباء للآلة المعنوية لأن الترك عدمي أو للتصوير ، أو للسببية ، أو للملابسة لأن في " تحد " معنى تتأسف ، أو لأن الحد في الأصل المنع ، فلا يرد أن فيه ملابسة الشيء لنفسه .

( قوله : بحلي ) أي بجميع أنواعه من فضة وذهب وجواهر بحر . قال القهستاني : والزينة ما تتزين به المرأة من حلي أو كحل كما في الكشاف ، فقد استدرك ما بعده ، ويؤيده ما في قاضي خان : المعتدة تجتنب عن كل زينة نحو الخضاب ولبس المطيب . ا هـ . وأجاب في النهر بأن ما بعده تفصيل لذلك الإجمال .

قلت : فيه أن هذا التفصيل غير موف بالمقصود فالأظهر أنه أراد بالزينة نوعا منها ، وهو ما ذكره الشارح من الحلي والحرير لأنه قوامها ، وغيره خفي بالنسبة إليه فعطفه عليها . ( قوله : أو حرير ) أي بجميع أنواعه وألوانه ولو أسود بحر ، وقوله : ولو أسود أشار به إلى خلاف مالك حيث قال يباح لها الحرير الأسود كما في الفتح ، وبه علم أنه لا يصح استثناء الأسود كما وقع في الدرر المنتقى عن البهنسي فإنه ليس مذهبنا فافهم . ( قوله : بضيق الأسنان ) فلها الامتشاط بأسنان المشط الواسعة ذكره في المبسوط ، وبحث فيه في الفتح ، لكن يأتي عن الجوهرة تقييده بالعذر . ( قوله : والطيب ) أي استعماله في البدن ، أو الثوب قهستاني ، وأعم منه قوله : في البحر والفتح : فلا تحضر عمله ولا تتجر فيه . ( قوله : والدهن ) بالفتح والضم ، والأول مصدر والثاني اسم ، وقوله ولو بلا طيب يؤيد إرادة اسم العين ، لكن يحتمل أن يكون المعنى ولو بلا استعمال طيب فافهم . ( قوله : كزيت خالص ) أي من الطيب وكالشيرج والسمن وغير ذلك لأنه يلين الشعر فيكون زينة زيلعي ، وبه ظهر أن الممنوع استعماله على وجه يكون فيه زينة ، فلا تمنع من مسه بيد لعصر ، أو بيع أو أكل كما أفاده الرحمتي . ( قوله : والكحل ) بالفتح والضم كما مر في الدهن . والظاهر أن المراد به ما تحصل به الزينة كالأسود ونحوه ، بخلاف الأبيض ما لم يكن مطيبا . ( قوله : ولبس المعصفر والمزعفر إلخ ) أي لبس الثوب المصبوغ بالعصفر والزعفران ، والمراد بالثوب ما كان جديدا تقع به الزينة وإلا فلا بأس به لأنه لا يقصد به إلا ستر العورة والأحكام تبتنى على المقاصد كما في المحيط قهستاني . ( قوله : ومصبوغ بمغرة ، أو ورس ) المغرة الطين الأحمر بفتحتين ، والتسكين لغة تخفيف . والورس : نبت أصفر يزرع باليمن ويصبغ به ، قيل : هو صنف من الكركم ، وقيل يشبهه مصباح . قال الزيلعي : ولا يحل لبس الممشق وهو المصبوغ بالمشق وهو المغرة .

وذكر في الغاية أن لبس العصب مكروه : وهو ثوب موشى يعمل في اليمن ، وقيل ضرب من برود اليمن ينسج أبيض ثم يصبغ . ا هـ . وفي المغرب لأنه يعصب غزله ثم يصبغ ثم يحاك . وفي المصباح المشق وزان حمل : المغرة ، وقالوا ثوب ممشق بالتثقيل والفتح ، والعصب بالعين والصاد المهملتين مثل فلس . قلت : ووقع في كافي الحاكم

: ولا ثوب قصب بالقاف . في المصباح : القصب ثياب من كتان ناعمة واحدها . [ ص: 532 ] قصبي على النسبة .

( قوله : راجع للجميع ) فإن كان وجع بالعين فتكتحل ، أو حكة فتلبس الحرير ، أو تشتكي رأسها فتدهن وتمشط بالأسنان الغليظة المتباعدة من غير إرادة الزينة لأن هذا تداو لا زينة جوهرة . قال في الفتح : وفي الكافي إلا إذا لم يكن لها ثوب إلا المصبوغ فإنه لا بأس به لضرورة ستر العورة ، لكن لا تقصد الزينة ; وينبغي تقيده بقدر ما تستحدث ثوبا غيره إما ببيعه والاستخلاف بثمنه ، أو من مالها إن كان لها . ا هـ .

قلت : وقيد بعض الشافعية الاكتحال للعذر بكونه ليلا ثم تنزعه نهارا كما ورد في الحديث ، وأخرج الحديث في الفتح أيضا ، ولم أر من قيد بذلك من علمائنا ، وكأنه معلوم من قاعدة إن الضرورة تتقدر بقدرها ، لكن إن كفاها الليل ، أو النهار اقتصرت على الليل ولا تعكس لأن الليل أخفى لزينة الكحل وهو محمل الحديث ، والله سبحانه أعلم . ( قوله : ولا بأس بأسود ) في الفتح : ويباح لها لبس الأسود عند الأئمة الأربعة ، وجعله الظاهرية كالأحمر والأخضر . ا هـ . وعلل الزيلعي جوازه بأنه لا يقصد به الزينة .

قلت : والمراد الأسود من غير الحرير خلافا لمالك كما مر . ( قوله : وأزرق ) ذكره في النهر بحثا ، وهو ظاهر إلا إذا كان براقا صافي اللون كما نص عليه الشافعية لأن الغالب فيه حينئذ قصد الزينة . ( قوله : ومعصفر خلق إلخ ) في البحر : ويستثنى من المعصفر والمزعفر الخلق الذي لا رائحة له فإنه جائز كما في الهداية ا هـ فافهم . قال الرحمتي : والمراد بما لا رائحة له ما لم تحصل به الزينة لأنها المانع لا الرائحة بخلاف المحرم ; ألا يرى منع المغرة ولا رائحة لها . ا هـ .

قلت : وأعم منه قول الزيلعي : وذكر الحلواني أن المراد بالثياب المذكورة الجديد منها ، أما لو كان خلقا لا تقع فيه الزينة فلا بأس به ا هـ ومثله ما مر عن القهستاني . وفي القاموس : خلق الثوب كنصر وكرم وسمع خلوقة وخلقا محركة بلي . [ تنبيه ]

مقتضى اقتصارهم على منعها مما مر أن الإحداد خاص بالبدل ، فلا تمنع من تجميل فراش وأثاث بيت ، وجلوس على حرير كما نص عليه الشافعية . ونقل في المعراج أن عند الأئمة الثلاثة لها أن تدخل الحمام وتغسل رأسها بالخطمي والسدر ا هـ ولم يذكر حكمه عندنا . قال في البحر : واقتصار المصنف على ترك ما ذكر يفيد جواز دخول الحمام لها . ( قوله : لا حداد ) أي واجب كما في الزيلعي . ( قوله : على سبعة إلخ ) شروع في محترزات القيود المارة ويزاد ثامنة ، وهي المطلقة قبل الدخول ، محترز قوله إذا كانت معتدة . ( قوله : كافرة وصغيرة ومجنونة ) لكن لو أسلمت الكافرة في العدة لزمها الإحداد فيما بقي منها كما مر عن الجوهرة ، وكذا ينبغي أن يقال في الصغيرة والمجنونة إذا بلغت وأفاقت كما في البحر ، وإنما لزمت العدة عليهن دون الإحداد لأنه حق الله تعالى كما مر ، ولا بد فيه من خطاب التكليف لأن اللبس والتطيب فعل حسي محكوم بحرمته ، بخلاف العدة فإنها من ربط المسببات بالأسباب على معنى أنه عند البينونة يثبت شرعا عدم صحة نكاحهن في مدة معينة ، فهو حكم بعدم فلا يتوقف على خطاب التكليف كما أوضحه في الفتح فافهم . ( قوله : ومعتدة عتق ) هي أم الولد التي أعتقها مولاها ، ومثلها التي مات عنها مولاها فإنها عتقت بموته . ولما كان في دخولها خفاء صرح بها الشارح وسكت عن الأولى لظهورها فافهم ( قوله : أو وطء بشبهة ) محترز قوله " منكوحة " فكان المناسب ذكره مع معتدة العتق . ( قوله : أو طلاق رجعي ) .

[ ص: 533 ] كان المناسب أن يزيد معه المطلقة قبل الدخول فإنهما خرجتا بقوله " معتدة بت " أفاده ح .




الخدمات العلمية