الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال : إن نكحتها فهي طالق فنكحها فولدت لنصف حول منذ نكحها لزمه نسبه ) احتياطا لتصور الوطء حالة العقد ; ولو ولدته لأقل منه لم يثبت ، وكذا لأكثر ولو بيوم ، ولكن بحث فيه في الفتح وأقره في البحر ( و ) لزمه ( مهرها )

[ ص: 548 ] بجعله واطئا حكما ولا يكون به محصنا نهاية .

التالي السابق


( قوله : فولدت لنصف حول ) أي من غير زيادة ولا نقصان زيلعي . ( قوله : لزمه نسبه ) لأنها فراشه لأنها لما ولدت لستة أشهر من وقت النكاح فقد ولدت لأقل منها من وقت الطلاق ، فكان العلوق قبله في حالة النكاح والتصور ثابت إلخ هداية . ( قوله : لتصور الوطء حالة العقد ) بأن عقدا بأنفسهما وسمع الشهود كلامهما وهو مخالط لها فوافق النكاح الإنزال ، أو وكلا في العقد في ليلة معينة فوطئها فيها فيحمل على المقارنة إذا لم يعلم تقدم العقد كما في شرح الشلبي ، أو يتزوجها عند الشهود ، والعاقد من طرفها فضولي ويكون تمام العقد برضاها حال المواقعة كما في منهوات ابن كمال . قال في الفتح : وحاصله أن الثبوت يتوقف على الفراش وهو يثبت مقارنا للنكاح المقارن للعلوق فتعلق وهي فراش فيثبت نسبه . ( قوله : لم يثبت ) لأنه تبين أن العلوق كان سابقا على النكاح زيلعي . ( قوله : وكذا لأكثر ) لأنه تبين أنها علقت بعده ، لأنا حكمنا حين وقع الطلاق بعدم وجوب العدة لكونه قبل الدخول والخلوة ، ولم يتبين بطلان هذا الحكم زيلعي . أما إذا ولدته لستة أشهر لا غير فعليها العدة لحملها بثابت النسب شرنبلالية أي لأنه حكم بعلوقها وقت النكاح قبل الطلاق كما علمت من عبارة الهداية ، فقد وقع الطلاق عليها وهي حامل ، وعليه فهو طلاق بعد الدخول فتعتد بوضع الحمل ، وقد صرح في النهر بأن هذا الطلاق رجعي وبانقضاء العدة بالوضع . ( قوله : ولو بيوم ) أي لحظة ح . ( قوله : وأقره في البحر ) حيث قال : وتعقبه في فتح القدير بأن منعهم النسب هنا في مدة يتصور أن يكون منه - وهي سنتان - ينافي الاحتياط في إثباته ، والاحتمال المذكور في غاية البعد ، فإن العادة المستمرة كون الحمل أكثر من ستة أشهر وربما تمضي دهور ولم يسمع فيها بولادة ستة أشهر ، فكان الظاهر عدم حدوثه ، وحدوثه احتمال ، فأي احتياط في إثبات النسب إذا نفيناه لاحتمال ضعيف يقتضي نفيه وتركنا ظاهرا يقتضي ثبوته ، وليت شعري أي الاحتمالين : أبعد الاحتمال الذي فرضوه لتصور العلوق منه لثبوت النسب وهو كونه تزوجها وهو يطؤها ووافق الإنزال العقد ، أو احتمال كون الحمل إذا زاد على ستة أشهر بيوم يكون من غيره ا هـ ح .

أقول : وحاصله إلحاق الولادة لأكثر من نصف حول بالولادة لنصفه في ثبوت النسب . ويمكن الجواب بالفرق ، وهو أنه في صورة النصف كان الولد موجودا وقت العقد يقينا ، فإذا أمكن حدوثه من العاقد ولو بوجه بعيد تعين ارتكابه ، بخلاف ما إذا أمكن حدوثه بعد العقد ، بأن ولدته لأكثر من نصف حول ولو بيوم ، فإنه لم يتيقن بوجوده وقته حتى يرتكب له الوجه البعيد مع حكم الشرع عليها بما ينافي وجوده وهو عدم العدة . [ ص: 548 ] والحاصل أن في كل من الصورتين الاحتمال البعيد المخالف للعادة المستمرة وهو الولادة لستة أشهر ، لكن إذا زاد عليها بيوم مثلا احتمل وجوده وعدمه ، وقد عارض احتمال الوجود الحكم عليها بعدم العدة ، بخلاف ما إذا لم يزد للتيقن بوجوده وقت العقد مع فقد المعارض ، هذا ما ظهر لي فتدبره . ( قوله : بجعله واطئا ) لأنه بثبوت النسب جعل واطئا حكما ، قال الزيلعي : وكان ينبغي وجوب مهرين ; مهر بالوطء ، ومهر بالنكاح ; كما لو تزوج امرأة حال وطئها ، وأجاب في الفتح بمنع الفرع المشبه به وأنه مشكل لمخالفته صريح المذهب لأن الأصح في ثبوت النسب إمكان الدخول ولا يتصور إلا بتزوجها حال وطئها المبتدأ به قبل التزوج ، وقد حكم فيه بمهر واحد في صريح الرواية ، فالحكم بمهرين في الفرع المشبه به مخالف لذلك .

قلت : الفرع منقول ، فالأحسن الجواب بأن الوطء في مسألتنا يمكن تصوره حالة التزوج كما مر تصويره عن ابن الشلبي وابن كمال ، فلا يلزم إلا مهر واحد بالدخول المقارن للعقد بخلاف الفرع المذكور فإن العقد فيه عارض على الوطء فلذا وجب فيه مهران .

ونقل ح عن شيخه في تصوير المقارنة أن يقال : إنه قال أولا : تزوجتك ثم أولج وأمنى وقالت : قبلت في وقت واحد فكان الوطء حاصلا في صلب العقد غير متقدم عليه ولا متأخر عن وقوع الطلاق ا هـ وما ذكرناه أقرب .

وقد يجاب بأحسن من هذا كله وهو أنه جعل واطئا حكما ضرورة ثبوت النسب لا حقيقة فلم يتحقق موجب المهرين فوجب أحدهما بخلاف الفرع المذكور . ( قوله : ولا يكون به محصنا ) لأنه وطء حكمي كما علمت ، فإذا زنى يجلد ولا يرجم .




الخدمات العلمية