الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وفي ) حلفه والله ( ليصعدن السماء أو ليقلبن هذا الحجر ذهبا حنث للحال ) [ ص: 790 ] لإمكان البر حقيقة ثم يحنث للعجز عادة ، ولو وقت اليمين لم يحنث ما لم يمض ذلك الوقت ، وفي حيرة الفقهاء قال لامرأته إن لم أعرج إلى السماء هذه الليلة فأنت كذا ينصب سلما ثم يعرج إلى سماء البيت لقوله تعالى - { فليمدد بسبب إلى السماء } - أي سماء البيت قال الباقاني والظاهر خروجها عن قاعدة مبنى الأيمان .

التالي السابق


مطلب حلف ليصعدن السماء أو ليقلبن الحجر ذهبا

( قوله وفي ليصعدن السماء إلخ ) مثله إن لم أمس السماء بخلاف إن تركت مس السماء فعبدي حر لا يحنث لأن الشرط هو الترك وهو لا يتحقق في غير المقدور عادة ، وفي الأول شرط عدم المس والعدم يتحقق في غير المقدور كذا في التحرير شرح الجامع الكبير للحصيري معزيا إلى المنتقى ، ومثله في النهر عن المحيط .

قلت : ويظهر الفرق في قولك لا أمس السماء وقولك أترك مس السماء فإن الأول لا يقتضي أنه معتاد ممكن بخلاف الثاني ، وهذا ينافي ما مر في إن لم تصلي الصبح غدا ، وفي إن لم تردي الدينار ولعله رواية أخرى فتأمل .

[ ص: 790 ] مطلب يجوز تحويل الصفات وتحويل الأجزاء

( قوله لإمكان البر حقيقة ) لأنه صعدتها الملائكة وبعض الأنبياء وكذا تحويل الحجر ذهبا بتحيل الله تعالى صفة الحجرية إلى صفة الذهبية بناء على أن الجواهر كلها متجانسة مستوية في قبول الصفات أو بإعدام الأجزاء الحجرية وإبدالها بأجزاء ذهبية ، والتحويل في الأول أظهر وهو ممكن عند المتكلمين على ما هو الحق فتح ( قوله ثم يحنث ) عطف على معلوم من المقام : أي فتنعقد ثم يحنث ط قال في شرح الجامع الكبير : فباعتبار التصور في الجملة انعقدت اليمين وباعتبار العجز عادة حنث للحال ، وهذا العجز ليس العجز المقارن لليمين لأن هذا هو العجز عن البر الواجب باليمين ا هـ أي بخلاف العجز في مسألة الكوز فإنه مقارن لليمين فلذا لم تنعقد .

واعلم أن الحنث في هذه المسألة عند أئمتنا الثلاثة وفيها خلاف زفر ، فعنده لا تنعقد اليمين ولا يحنث لإلحاقه المستحيل حقيقة بخلاف مسألة الكوز فإن فيها خلاف أبي يوسف كما مر .

[ تنبيه ]

المراد بالعجز هنا عدم الإمكان والتصور عادة فلو حلف ليؤدين له دينه اليوم فلم يكن معه شيء ولم يجد من يقرضه يحنث بمضي اليوم على المفتى به كما مر في باب التعليق لأن الأداء غير مستحيل عادة ( قوله لم يحنث ما لم يمض ذلك الوقت ) أي فيحنث في آخره قال في الفتح فلو مات قبله فلا كفارة عليه إذ لا حنث . ا هـ .

[ تنبيه ]

قال في شرح الجامع الكبير قال الكرخي : إذا حلف أن يفعل ما لا يقدر عليه كقوله لأصعدن السماء فهو آثم وروى الحسن عن زفر فيمن قال : لأمسن السماء اليوم أنه آثم ولا كفارة عليه لأنه لا تنعقد عنده إلا على ما يمكن ( قوله والظاهر خروجها إلخ ) هذا الاعتذار يحتاج إليه إن كانت المسألة من نص المذهب لا إن كانت من تخريج بعض المشايخ على القول باعتبار الحقيقة اللغوية ، وإن لم يمكن فالعرف وعليه مشى الزيلعي وقد تقدم رده وأن الاعتماد على العرف ، ولو كانت هذه المسألة منصوصة لذكروا استثناءها من القاعدة المبني عليها مسائل الأيمان وهي العرف والذي يظهر حمل هذه المسألة على ما إذا نوى سقف البيت كما أجابوا عن قول صاحب الذخيرة والمرغيناني في لا يهدم بيتا أنه يحنث بهدم بيت العنكبوت كما أوضحناه في أول الباب السابق فراجعه ليظهر لك ما قلنا




الخدمات العلمية