الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا يتعين شيء من القرآن لصلاة على طريق الفرضية ) بل تعين الفاتحة على وجه الوجوب ( ويكره التعيين ) كالسجدة و - { هل أتى } - لفجر كل جمعة ، بل يندب قراءتهما أحيانا ( والمؤتم لا يقرأ مطلقا ) ولا الفاتحة في السرية اتفاقا ، وما نسب لمحمد ضعيف كما بسطه الكمال ( فإن قرأ كره تحريما ) وتصح في الأصح . وفي درر البحار عن مبسوط خواهر زاده [ ص: 545 ] أنها تفسد ويكون فاسقا ، وهو مروي عن عدة من الصحابة فالمنع أحوط ( بل يستمع ) إذا جهر ( وينصت ) إذا أسر { لقول أبي هريرة رضي الله عنه كنا نقرأ خلف الإمام فنزل - { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } - } ( وإن ) وصلية ( قرأ الإمام آية ترغيب أو ترهيب ) وكذا الإمام لا يشتغل بغير القرآن ، وما ورد حمل على النفل منفردا كما مر ( كذا الخطبة ) فلا يأتي بما يفوت الاستماع ولو كتابة أو رد سلام ( وإن صلى الخطيب على النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا قرأ - { صلوا عليه } - فيصلي المستمع سرا ) بنفسه وينصت بلسانه عملا بأمري - { صلوا } - { وأنصتوا } - ( والبعيد ) عن الخطيب ( والقريب سيان ) في افتراض الإنصات .

التالي السابق


( قوله على طريق الفرضية ) أي بحيث لا تصح صلاة بدونه كما يقول الشافعي في الفاتحة ( قوله ويكره التعين إلخ ) هذه المسألة مفرعة على ما قبلها لأن الشارع إذا لم يعين عليه شيئا تيسيرا عليه كره له أن يعين ، وعلله في الهداية بقوله : لما فيه من هجر الباقي وإيهام التفضيل ( قوله بل يندب قراءتهما أحيانا ) قال في جامع الفتاوى : وهذا إذا صلى الوتر بجماعة ، وإن صلى وحده يقرأ كيف شاء ا هـ وفي فتح القدير : لأن مقتضى الدليل عدم المداومة لا المداومة على العدم كما يفعله حنفية العصر ، فيستحب أن يقرأ ذلك أحيانا تبركا بالمأثور ، فإن لزوم الإيهام ينتفي بالترك أحيانا ، ولذا قالوا : السنة أن يقرأ في ركعتي الفجر بالكافرون والإخلاص . وظاهر هذا إفادة المواظبة ، إذ الإيهام المذكور منتف بالنسبة إلى المصلي نفسه ا هـ ومقتضاه اختصاص الكراهة بالإمام .

ونازعه في البحر بأن هذا مبني على أن العلة إيهام التفصيل والتعيين ، أما على ما علل به المشايخ من هجر الباقي فلا فرق في كراهة المداومة بين المنفرد والإمام والسنة والفرض ، فتكره المداومة مطلقا ، لما صرح به في غاية البيان من كراهة المواظبة على قراءة السور الثلاث في الوتر أعم من كونه في رمضان إماما أو لا . ا هـ . وأجاب في النهر بأنه قد علل بهما المشايخ . والظاهر أنهما علة واحدة لا علتان ، فيتجه ما في الفتح .

أقول : على أنه في غاية البيان لم يصرح بالتعميم المذكور . وأيضا فإن إيهام هجر الباقي يزول بقراءته في صلاة أخرى . وأيضا ذكر في وتر البحر عن النهاية أنه لا ينبغي أن يقرأ سورة متعينة على الدوام لئلا يظن بعض الناس أنه واجب ا هـ فهذا يؤيد ما في الفتح أيضا .

هذا ، وقيد الطحاوي والإسبيجابي الكراهة بما إذا رأى ذلك حتما لا يجوز غيره ; أما لو قرأه للتيسير عليه أو تبركا بقراءته عليه الصلاة والسلام فلا كراهة لكن بشرط أن يقرأ غيرها أحيانا لئلا يظن الجاهل أن غيرها لا يجوز . واعترضه في الفتح بأنه لا تحرير فيه لأن الكلام في المداومة . ا هـ .

وأقول : حاصل معنى كلام هذين الشيخين بيان وجه الكراهة في المداومة وهو أنه إن رأى ذلك حتما يكره من حيث تغيير المشروع وإلا يكره من حيث إيهام الجاهل ، وبهذا الحمل يتأيد أيضا كلام الفتح السابق : ويندفع اعتراضه اللاحق فتدبر ( قوله ولا الفاتحة ) بالنصب معطوف على محذوف تقديره لا غير الفاتحة ولا الفاتحة ، وقوله في السرية يعلم منه نفي القراءة في الجهرية بالأولى ، والمراد التعريض ، بخلاف الإمام الشافعي ويرد ما نسب لمحمد ( قوله اتفاقا ) أي بين أئمتنا الثلاثة . ( قوله وما نسب لمحمد ) أي من استحباب قراءة الفاتحة في السرية احتياطا ( قوله كما بسطه الكمال ) حاصله أن محمدا قال في كتابه الآثار : لا نرى القراءة خلف الإمام في شيء من الصلوات يجهر فيه أو يسر ، ودعوى الاحتياط ممنوعة ، بل الاحتياط ترك القراءة لأنه العمل بأقوى الدليلين . وقد روي [ ص: 545 ] الفساد بالقراءة عن عدة من الصحابة فأقواهما المنع ( قوله أنها تفسد ) هذا مقابل الأصح ( قوله وهو ) أي الفساد المفهوم من تفسد ( قوله مروي عن عدة من الصحابة ) قال في الخزائن : وفي الكافي : ومنع المؤتم من القراءة مأثور عن ثمانين نفرا من كبار الصحابة ، منهم المرتضى والعبادلة وقد دون أهل الحديث أساميهم ( قوله وينصت إذا أسر ) وكذا إذا جهر بالأولى . قال في البحر : وحاصل الآية أن المطلوب بها أمران الاستماع والسكوت ، فيعمل بكل منهما ، والأول يخص الجهرية ، والثاني لا فيجري على إطلاقه فيجب السكوت عند القراءة مطلقا ا هـ ( قوله آية ترغيب ) أي في ثوابه تعالى أو ترهيب : أي تخويف من عقابه تعالى ، فلا يسأل الأول ولا يستعيذ من الثاني . قال في الفتح : لأن الله تعالى وعده بالرحمة إذا استمع ، ووعده حتم ، وإجابة دعاء المتشاغل عنه غير مجزوم بها ( قوله وما ورد ) أي عن { حذيفة رضي الله عنه أنه قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة إلى أن قال : وما مر بآية رحمة إلا وقف عندها فسأل ، ولا بآية عذاب إلا وقف عندها وتعوذ } " أخرجه أبو داود وتمامه في الحلية ( قوله حمل على النفل منفردا ) أفاد أن كلا من الإمام والمقتدي في الفرض أو النفل سواء ،

قال في الحلية : أما الإمام في الفرائض فلما ذكرنا من أنه صلى الله عليه وسلم لم يفعله فيها ، وكذا الأئمة من بعده إلى يومنا هذا ، فكان من المحدثات ولأنه تثقيل على القوم فيكره . وأما في التطوع فإن كان في التراويح فكذلك ; وإن كان في غيرها من نوافل الليل التي اقتدى به فيها واحد أو اثنان فلا يتم ترجيح الترك على الفعل ، لما روينا : أي من حديث حذيفة السابق ، اللهم إلا إذا كان في ذلك تثقيل على المقتدي ، وفيه تأمل . وأما المأموم فلأن وظيفته الاستماع والإنصات فلا يشتغل بما يخله ، لكن قد يقال : إنما يتم ذلك في المقتدي في الفرائض والتراويح ; أما المقتدي في النافلة المذكورة إذا كان إمامه يفعله فلا لعدم الإخلال بما ذكر ، فليحمل على ما عدا هذه الحالة . ا هـ . ( قوله كما مر ) أي نظير ما مر في فصل ترتيب أفعال الصلاة من حمل ما ورد من الأدعية في الركوع والرفع منه وفي السجدتين والجلسة بينهما على المتنفل ، وأما مسألتنا هذه فلم تمر فافهم ( قوله فلا يأتي بما يفوت الاستماع إلخ ) سيأتي في باب الجمعة أن كل ما حرم في الصلاة حرم في الخطبة ; فيحرم أكل وشرب وكلام ولو تسبيحا أو رد سلام أو أمرا بمعروف إلا من الخطيب لأن الأمر بالمعروف منها بلا فرق بين قريب وبعيد في الأصح ولا يرد تحذير من خيف هلاكه لأنه يجب لحق آدمي وهو محتاج إليه ، والإنصات لحقه تعالى ، ومبناه على المسامحة والأصح أنه لا بأس ، بأن يشير برأسه أو يده عند رؤية منكر ، وكذا الاستماع لسائر الخطب كخطبة نكاح وختم وعيد على المعتمد . ا هـ . ( قوله وينصت بلسانه ) عطف تفسير لقوله بنفسه ، وهذا مروي عن أبي يوسف . وفي جمعة الفتح أنه ( الصواب ) ( قوله في افتراض الإنصات ) عبر بالافتراض تبعا للهداية . وعبر في النهر بالوجوب قال ط وهو الأولى لأن تركه مكروه تحريما .




الخدمات العلمية