الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          فصل

                                                                                                          وصلاة الليل أفضل ( و ) وأفضله نصفه الأخير ، وأفضله ثلثه الأول نص عليه ، وقيل آخره ، وقيل ثلث الليل الوسط وبين العشاءين من قيام الليل ، قال أحمد : قيام الليل من المغرب إلى طلوع الفجر والناشئة لا تكون إلا بعد رقدة ، قال : والتهجد إنما هو بعد النوم ، ولا يقوم الليل كله ( م ر ) ذكره بعضهم ، وقل من وجدته ذكر هذه المسألة [ ص: 560 ] وقد قال أحمد : إذا نام بعد تهجده لم يبن عليه السهر .

                                                                                                          وفي الغنية يستحب ثلثاه ، والأقل سدسه ، ثم ذكر أن قيام الليل كله عمل الأقوياء الذين سبقت لهم العناية ، فجعل لهم موهبة ، وقد روي عن عثمان قيامه بركعة ، يختم فيها ، قال وصح عن أربعين من التابعين ، ومرادهم وتابعيهم وظاهر كلامه ولا ليالي العشر ، فيكون { قول عائشة إنه عليه السلام أحيا الليل } أي كثيرا منه ، أو أكثره ، ويتوجه بظاهره احتمال ، وتخريج من ليلة العيد ، ويكون قولها ما علمت { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة حتى الصباح أي غير العشر } أو لم يكثر ذلك منه واستحبه شيخنا ، وقال قيام بعض الليالي كلها مما جاءت به السنة ، ويكره مداومة قيام الليل ، وفاقا للشافعية في ذلك كله ، ولهذا اتفقت الشافعية على استحباب ليلتي العيدين وغير ذلك ، ذكره في شرح مسلم ، وما ذكره في الغنية هو ظاهر سورة المزمل ، ونسخ وجوبه لا يلزم منه نسخ استحبابه وقد كان عبد الله بن عمر لا ينام من الليل إلا قليلا ، وكذا جماعة كانوا يصلون الفجر بوضوء العشاء الآخرة ، وقد قال تعالى : { كانوا قليلا من الليل ما يهجعون } قيل ( ما يهجعون ) خبر كان وقيل ( ما ) زائدة أي كانوا يهجعون قليلا و { قليلا } صفة لمصدر أو ظرف ، أي هجوعا وزمنا قليلا ، وقيل نافية ، فقيل المعنى كانوا يسهرون قليلا منه ، وقيل ما كانوا ينامون قليلا منه ورد بعضهم قول النفي بأنه لا يتقدم عليه ما في خبره ، وقليلا من خبره وقيل قليلا خبر كان ، وما مصدرية ، أي كانوا قليلا هجوعهم ، كقولك كانوا يقل هجوعهم ( فيهجعون ) بدل اشتمال من [ ص: 561 ] اسم كان ، ومن الليل يتعلق بفعل مفسر ب { يهجعون } لتقديم معمول المصدر عليه ، وقيل الوقف على { قليلا } فإن قيل فما نافية ففيه نظر سبق ، وإن قيل مصدرية فلا مدح لهجوع الناس كلهم ليلا ، وصاحب هذا القول يحمل ما خالف هذا على من تضرر به ، أو ترك حقا أهم منه ، أو على من اقتصر على قليل من الليل ، ليجمع بين الحقوق ، ولعل هذا قياس المذهب لاستحبابه صوم أيام غير النهي ، أو مع إفطار يسير معها ، فإن هذه المسألة تشبه تلك ، وهما في حديث عبد الله بن عمر ويأتي ذلك ، ومن يفرق بينهما من أصحابنا والشافعية وغيرهم يقول لا بد في قيام الليل كله من ضرر ، أو تفويت حق ، وعن أنس مرفوعا { ليصل أحدكم نشاطه ، فإذا كسل أو فتر فليقعد } كسل بكسر السين ، وعن عائشة مرفوعا { إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم ، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه } نعس بفتح العين ، وعنها مرفوعا { أحب العمل إلى الله تعالى أدومه وإن قل } وعنها مرفوعا { خذوا من العمل ما تطيقون ، فوالله لا يسأم الله حتى تسأموا } وفي لفظ { لا يمل الله حتى تملوا } متفق على ذلك ، واللفظان بمعنى ، قال بعض العلماء لا يعاملكم الله معاملة المال فيقطع ثوابه ورحمته عنكم حتى تقطعوا عملكم ، وقيل معناه لا يمل إذا مللتم ، كقولهم في البليغ فلان لا ينقطع حتى ينقطع خصومه ، معناه لا ينقطع إذا انقطع خصومه ، وإلا فلا فضل له على غيره وعنه استغفاره في السحر أفضل ، وسيد الاستغفار " اللهم أنت ربي " الخبر فظاهر كلامهم يقوله كل أحد ، وكذا ما في معناه .

                                                                                                          وقال [ ص: 562 ] شيخنا : تقول المرأة أمتك بنت عبدك أو أمتك ، وإن كان قولها " عبدك " له مخرج في العربية بتأويل شخص ، وصلاته ليلا ونهارا مثنى ، وهو معدول عن اثنين ، ومعناه معنى المكرر ، فلا يجوز تكريره ، وإنما كرر عليه السلام اللفظ لا المعنى ذكر الزمخشري منعت الصرف للعدلين : عدلها عن صيغتها ، وعدلها عن تكررها ( هـ )

                                                                                                          [ ص: 556 - 559 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 556 - 559 ] تنبيهات ( الأول ) قوله : وصلاة الليل أفضل ، وأفضله نصفه الأخير ، وأفضله ثلثه الأول نص عليه ، وقيل آخره ، وقيل ثلث الليل الوسط ، انتهى ، فقوله وأفضله ثلثه الأول فيه نظر ، فإن أراد بذلك الثلث الأول من الليل ، فلا أعلم به قائلا ، والمصنف قد قدمه ، وقال نص عليه ، وإن أراد الثلث الأول من النصف الأخير وهو السدس وهو ظاهر كلامه فالأصحاب على خلافه ، إلا أن القاضي أبا الحسين ذكر في فروعه أن المروذي نقل عن أحمد : أفضل القيام قيام داود ، كان ينام نصف الليل ، ثم يقوم سدسه ، موافق لظاهر كلام المصنف لكن أهل المذهب على خلافه ، والظاهر أنه أراد ثلث الليل من أول النصف الثاني ، لكونه المذهب ، ولكن يبقى في العبارة تعقيد من جهة عود الضمائر والتركيب ، وفيه قوة من جهة الدليل ، فإن هذه صلاة داود عليه السلام ، على الصحيح من المذهب ، وصحت الأحاديث بذلك




                                                                                                          الخدمات العلمية