الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                خرج البخاري في هذا الباب :

                                315 321 - حديث قتادة : حدثتني معاذة أن امرأة قالت لعائشة : أتجزي إحدانا صلاتها إذا هي طهرت ؟ فقالت : أحرورية أنت ؟ كنا نحيض مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا يأمرنا به ، أو قالت : فلا نفعله .

                                التالي السابق


                                قولها : ( أتجزي ) - هو بفتح التاء ، و( صلاتها ) بفتح التاء ، والمعنى : أتقضي صلاتها إذا طهرت من حيضها .

                                وقول عائشة : ( أحرورية أنت ؟ ) - تعني : أنت من أهل حروراء ، وهم الخوارج ; فإنه قد قيل : إن بعضهم كان يأمر بذلك ، وقيل : إنها أرادت أن هذا من جنس تنطع الحرورية ، وتعمقهم في الدين حتى خرجوا منه .

                                ثم ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأمرهن بذلك إذا حضن ، أو لا يفعلنه ، شك الراوي أي اللفظتين قالت .

                                ومعناهما متقارب ; فإن نساء النبي صلى الله عليه وسلم إذا كن يحضن في زمانه فلا يقضين الصلاة إذا طهرن فإنما يكون ذلك بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ، وأمره به ; فإن مثل هذا لا يخفى عليه . ولو كان القضاء واجبا عليهن لم يهمل ذلك ، وهو لا يغفل عن مثله لشدة اهتمامه بأمر الصلاة .

                                وقد خرج هذا الحديث مسلم في ( صحيحه ) بلفظ ( ثم لا نؤمر بالقضاء ) - من غير تردد ، وخرجه بلفظ آخر ، وهو ( كان يصيبنا ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنؤمر بقضاء الصوم ، ولا نؤمر بقضاء الصلاة ) .

                                [ ص: 502 ] وقد حكى غير واحد من الأئمة إجماع العلماء على أن الحائض لا تقضي الصلاة ، وأنهم لم يختلفوا في ذلك . منهم الزهري ، والإمام أحمد ، وإسحاق بن راهويه ، والترمذي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وغيرهم .

                                وقال عطاء وعكرمة : قضاء الحائض الصلاة بدعة .

                                وقال الزهري : أجمع الناس على أن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ، وقال : وليس في كل شيء نجد الإسناد .

                                وقد حكي عن بعض الخوارج أن الحائض تقضي الصلاة ، وعن بعضهم أنها تصلي في حال حيضها .

                                ولكن في ( سنن أبي داود ) بإسناد فيه لين أن سمرة بن جندب كان يأمر النساء بقضاء صلاة الحيض .

                                وقد ذكر البخاري في ( الصيام ) من ( كتابه ) هذا عن أبي الزناد ، أنه قال : إن السنن ووجوه الحق لتأتي كثيرا على خلاف الرأي ، فلا يجد المسلمون بدا من اتباعها ، من ذلك أن الحائض تقضي الصوم دون الصلاة .

                                وهذا يدل على أن هذا مما لا يدرك بالرأي ، ولا يهتدي الرأي إلى وجه الفرق فيه .

                                وقد فرق كثير من الفقهاء من أصحابنا وأصحاب الشافعي بين قضاء الصوم والصلاة بأن الصلاة تتكرر كل يوم وليلة خمس مرات ، والحيض لا يخلو منه كل شهر غالبا ، فلو أمرت الحائض بقضاء الصلاة مع أمرها بأداء الصلاة في أيام طهرها لشق ذلك عليها . بخلاف الصيام ; فإنه إنما يجيء مرة واحدة في السنة ، فلا يشق قضاؤه .

                                [ ص: 503 ] ومنهم من قال : جنس الصلاة يتكرر في كل يوم من أيام الطهر ، فيغني ذلك عن قضاء ما تركته منها في الحيض ، بخلاف صيام رمضان ; فإنه شهر واحد في السنة لا يتكرر فيها ، فإذا طهرت الحائض أمرت بقضاء ما تركته أيام حيضها ; لتأتي بتمام عدته المفروضة في السنة ، كما يؤمر بذلك من أفطر لسفر أو مرض .

                                وإنما يسقط عن الحائض قضاء الصلاة التي استغرق حيضها وقتها ، ولم تكن مجموعة إلى ما قبلها أو بعدها . فإن لم يستغرق حيضها وقت الصلاة ، بل طهرت في آخر الوقت ، أو حاضت بعد مضي أوله - ففي لزوم قضائها لها خلاف يأتي ذكره في ( كتاب الصلاة ) إن شاء الله تعالى .

                                وكذلك لو طهرت في آخر وقت صلاة تجمع إلى ما قبلها ، مثل أن تطهر في آخر وقت العصر أو العشاء ، فهل يلزمها قضاء الظهر والمغرب ؟ فيه أيضا اختلاف يذكر في ( الصلاة ) إن شاء الله تعالى .

                                وإن حاضت في أول وقت صلاة تجمع إلى ما بعدها ففي لزوم القضاء لما بعد الصلاة التي حاضت في وقتها اختلاف أيضا ، والقول بوجوب القضاء هنا أبعد من التي قبلها .



                                الخدمات العلمية