الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                الحديث الثاني :

                                246 249 - من رواية : الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن كريب ، عن ابن عباس ، عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : توضأ النبي صلى الله عليه وسلم وضوءه للصلاة ، غير رجليه . وغسل فرجه وما أصابه من الأذى ، ثم أفاض عليه الماء ، ثم نحى رجليه فغسلهما . هذه غسله من الجنابة .

                                [ ص: 241 ]

                                التالي السابق


                                [ ص: 241 ] خرجه عن الفريابي ، عن الثوري ، عن الأعمش - هكذا .

                                وفيه التصريح بأنه لم يغسل رجليه في أول وضوئه ، بل أخر غسل رجليه حتى فرغ من غسله .

                                وخرجه فيما سيأتي - إن شاء الله تعالى - من حديث ابن عيينة ، عن الأعمش ، وقال في حديثه : ( فتوضأ وضوءه للصلاة ، فلما فرغ من غسله غسل رجليه ) .

                                وهذه الرواية تحتمل أن يكون أعاد غسل رجليه لما أصابهما من التراب ، حيث كان يغتسل على الأرض في مكان غير مبلط ولا مقير ، لكن رواية سفيان صريحة باستثناء غسل رجليه في أول الوضوء .

                                وخرجه - أيضا - من طريق حفص بن غياث ، عن الأعمش ، وفي حديثه ( ثم تمضمض واستنشق ، ثم غسل وجهه وأفاض الماء على رأسه ، ثم تنحى فغسل قدميه ) .

                                وهذه الرواية تدل على أنه لم يمسح رأسه ، ولا غسل قدميه أولا في الوضوء ، بل أفاض الماء على رأسه عند مسحه .

                                وخرجه - أيضا - من طريق عبد الواحد ، عن الأعمش ، وفي حديثه ( ثم غسل رأسه ثلاثا ، ثم أفرغ على جسده ، ثم تنحى من مقامه ، فغسل رجليه ) .

                                وخرجه من طريق أبي عوانة والفضل بن موسى وأبي حمزة ، عن [ ص: 242 ] الأعمش كذلك ، إلا أنه لم يذكر التثليث في غسل رأسه .

                                وقد رواه وكيع ، عن الأعمش ، فذكر في حديثه أنه غسل وجهه ثلاثا ، وذراعيه ثلاثا .

                                خرجه من طريقه الإمام أحمد وابن ماجه .

                                وقوله في هذه الرواية : ( هذا غسله من الجنابة ) - مما يشعر بأنه ليس من تمام حديث ميمونة .

                                وقد رواه زائدة ، عن الأعمش ، وذكر فيه أن ذكر غسل الجنابة إنما هو من قول سالم بن أبي الجعد .

                                خرجه من طريقه ابن جرير الطبري والإسماعيلي في ( صحيحه ) .

                                وقد خرج البخاري الحديث في موضع آخر ، من رواية سفيان الثوري ، عن الأعمش ، بأبسط من هذا السياق ، وفيه : عن ميمونة ، قالت : ( سترت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل من الجنابة ) - فذكر الحديث .

                                وخرجه - أيضا - من رواية ابن عيينة ، عن الأعمش ، ولفظه " أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من الجنابة ، فغسل فرجه ) - وذكر الحديث .

                                ومن رواية الفضل بن موسى ، عن الأعمش ، وفي حديثه " وضع النبي صلى الله عليه وسلم وضوءا للجنابة ، فأكفأ بيمينه على شماله ) - وذكر الحديث .

                                وفي هذين الحديثين دليل على استحباب الوضوء قبل الاغتسال من الجنابة ، وأنه لا يؤخر كله إلى بعد كمال الغسل .

                                [ ص: 243 ] وقد روي عن الأسود ، عن عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتوضأ بعد الغسل .

                                خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي .

                                وقال : حسن صحيح .

                                وسئل ابن عمر عن الوضوء بعد الغسل ، فقال : وأي وضوء أعم من الغسل ؟

                                وخرجه الطبراني والحاكم عنه مرفوعا ، ووقفه أصح .

                                وعن جابر بن عبد الله قال : يكفيك الغسل .

                                وروي إنكاره عن ابن مسعود أيضا .

                                وروي عن أصحاب ابن مسعود علقمة وغيره .

                                وعن سعيد بن جبير والنخعي .

                                وروي عن حذيفة من وجه منقطع إنكار الوضوء مع الغسل .

                                وكذا روي عن الشعبي أنه كان لا يرى الوضوء في الغسل من الجنابة .

                                ولكن قد صحت السنة بالوضوء قبل الغسل .

                                وأما الوضوء بعد الغسل فلم يصح فيه شيء .

                                وروي الرخصة فيه عن علي رضي الله عنه .

                                وأنكر صحة ذلك عنه النخعي .

                                [ ص: 244 ] ونقل يعقوب بن بختان ، عن أحمد في الحائض : أنها إن شاءت أخرت الوضوء عن الغسل ، وإن شاءت بدأت به .

                                ولعل هذا يختص بغسل الحيض .

                                وكذا قال أصحاب الشافعي : إن الجنب مخير ; إن شاء توضأ قبل الغسل ، وإن شاء بعده .

                                وأما إن نسي الوضوء قبل الغسل فإنه يتوضأ بعد الغسل ، نص عليه أحمد ومالك وغير واحد .

                                وأصل هذا أن الجمع بين الوضوء والغسل هو السنة عند الجمهور ، لكن الأفضل أن يتوضأ قبل الغسل ، ثم يغتسل على ما سبق من صفة الوضوء مع الغسل .

                                فإن اغتسل ولم يتوضأ ، فهل يرتفع حدثاه بذلك ، أم لا يرتفع إلا حدثه الأكبر خاصة ، ويبقى حدثه الأصغر ، فلا يستبيح الصلاة بدون تجديد الوضوء ؟

                                هذا فيه قولان للعلماء ، هما روايتان عن أحمد :

                                أشهرهما : أنه يرتفع حدثاه بذلك إذا نوى بغسله رفع الحدثين جميعا .

                                والثانية : لا يرتفع حدثه الأصغر بدون الوضوء .

                                وحكي عن مالك وأبي ثور وداود .

                                فإذا اغتسل ولم يتوضأ ارتفع حدثه الأكبر ، ولم يرتفع الأصغر حتى يتوضأ .

                                ومن حكى عن أبي ثور وداود أن الحدث الأكبر لا يرتفع بدون الوضوء مع الغسل فالظاهر أنه غالط عليهما .

                                وقد حكى ابن جرير وابن عبد البر وغيرهما الإجماع على خلاف ذلك .

                                [ ص: 245 ] ومذهب الشافعي أنه يرتفع حدثاه بنية رفع الحدث الأكبر خاصة ، ولا يحتاج إلى نية رفع الحدث الأصغر .

                                وذهب إسحاق وطائفة من أصحابنا كأبي بكر عبد العزيز بن جعفر إلى أنه لا يرتفع الحدث الأصغر بالغسل وحده ، حتى يأتي فيه بخصائص الوضوء ، من الترتيب والموالاة .

                                وأما المضمضة والاستنشاق فقد ذكرنا حكمهما في الوضوء فيما سبق .

                                وأما في الغسل فهما واجبان فيه عند أبي حنيفة ، والثوري ، وأحمد في المشهور عنه .

                                وعنه : يجب الاستنشاق وحده .

                                واختلف أصحابنا : هل يجب المبالغة فيهما في الغسل إذا قلنا : لا يجب ذلك في الوضوء ، أم لا ؟ على وجهين .

                                ومذهب مالك والشافعي أن المضمضة والاستنشاق سنة في الغسل كالوضوء .



                                الخدمات العلمية