الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3867 129 - حدثنا عبيد الله بن إسماعيل ، حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله [ ص: 173 ] عنها قالت : استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر في الخروج حين اشتد عليه الأذى ، فقال له : أقم . فقال : يا رسول الله ، أتطمع أن يؤذن لك ؟ فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إني لأرجو ذلك ! قالت : فانتظره أبو بكر ، فأتاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم ظهرا فناداه فقال : أخرج من عندك ! فقال أبو بكر : إنما هما ابنتاي ! فقال : أشعرت أنه قد أذن لي في الخروج ؟ فقال : يا رسول الله ، الصحبة ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الصحبة ! قال : يا رسول الله ، عندي ناقتان قد كنت أعددتهما للخروج ! فأعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - إحداهما وهي الجدعاء ، فركبا ، فانطلقا حتى أتيا الغار - وهو بثور - فتواريا فيه ، فكان عامر بن فهيرة غلاما لعبد الله بن الطفيل بن سخبرة أخو عائشة لأمها - وكانت لأبي بكر منحة فكان يروح بها ويغدو عليهم ، ويصبح فيدلج إليهما ثم يسرح فلا يفطن به أحد من الرعاء ، فلما خرجا خرج معهما يعقبانه حتى قدما المدينة ، فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله " فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة " ، وأبو أسامة حماد بن أسامة ، وهشام هو ابن عروة بن الزبير يروي عن أبيه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها .

                                                                                                                                                                                  قوله " في الخروج " ; يعني في الهجرة من مكة إلى المدينة .

                                                                                                                                                                                  قوله " الأذى " ; يعني من كفار مكة .

                                                                                                                                                                                  قوله " أتطمع " الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستعلام .

                                                                                                                                                                                  قوله " أن يؤذن " على صيغة المجهول .

                                                                                                                                                                                  قوله " ظهرا " ; يعني في وقت الظهر .

                                                                                                                                                                                  قوله " فقال " ; أي النبي صلى الله عليه وسلم " أخرج " بفتح الهمزة ، من الإخراج ، و " من عندك " في محل النصب على المفعولية .

                                                                                                                                                                                  قوله " إنما هما ابنتاي " ، أراد بهما أسماء وعائشة رضي الله تعالى عنهما .

                                                                                                                                                                                  قوله " أشعرت " معناه اعلم ; لأن الهمزة هنا خرجت عن الاستفهام الحقيقي ، ومثله قوله تعالى : ألم نشرح لك صدرك ; أي شرحنا ، ولهذا عطف عليه " ووضعنا " .

                                                                                                                                                                                  قوله " قد أذن لي " على صيغة المجهول .

                                                                                                                                                                                  قوله " الصحبة " منصوب بفعل محذوف ; أي أتريد الصحبة - أي المرافقة في الهجرة ، والتقدير في الصحبة الثانية : نعم أريد الصحبة .

                                                                                                                                                                                  قوله " هي الجدعاء " ; أي الناقة التي أعطاها النبي - صلى الله عليه وسلم - هي التي تسمى بالجدعاء ، وهي المقطوعة الأذن ، ومنه خطب على ناقته الجدعاء ، وقال ابن الأثير : قيل لم تكن ناقته مقطوعة الأذن ، وإنما كان هذا اسما لها .

                                                                                                                                                                                  قوله " بثور " بفتح الثاء المثلثة ، وهو جبل معروف بمكة مسمى باسم الحيوان المشهور .

                                                                                                                                                                                  قوله " فتواريا " ; أي اختفيا فيه ، من التواري .

                                                                                                                                                                                  قوله " عامر بن فهيرة " ، هو أبو عمرو ، كان مملوكا للطفيل بن عبد الله بن سخبرة فاشتراه أبو بكر فأعتقه ، وأسلم قبل أن يدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم ، وكان حسن الإسلام ، وكان مولدا من مولدي الأزد أسود اللون ، شهد بدرا وأحدا ، والآن نذكر وفاته .

                                                                                                                                                                                  قوله " لعبد الله بن طفيل " ، كذا وقع هنا ، وقال الدمياطي : صوابه الطفيل بن عبد الله بن سخبرة بن جرثومة بن عائذة بن مرة بن جشم بن الأوس بن عامر بن حفص بن النمر بن عثمان بن نصر بن زهير ابن أخي دهمان بن نصر بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد . وقال أبو عمر : الطفيل بن عبد الله بن سخبرة القرشي . قال ابن أبي خيثمة : لا أدري من أي قريش هو ! قال : وهو أخو عائشة لأمها . وقال الواقدي : وكانت أم رومان أم عائشة تحت عبد الله بن الحارث بن سخبرة الأزدي ، وكان قدم بها مكة ، فحالف أبا بكر قبل الإسلام ، وتوفي عن أم رومان وقد ولدت له الطفيل ، ثم خلف عليها أبو بكر رضي الله تعالى عنه فولدت له عبد الرحمن وعائشة ; فهما أخوا الطفيل هذا لأمه .

                                                                                                                                                                                  قوله " أخو عائشة لأمها " ، وفي رواية الكشميهني " أخي عائشة " ، وجه الأول على أنه خبر مبتدأ محذوف ; أي هو أخو عائشة ، ووجه الثاني على أنه بدل من قوله " عبد الله بن الطفيل " .

                                                                                                                                                                                  قوله " منحة " بكسر الميم وسكون النون ، وهي ناقة يدر منها اللبن .

                                                                                                                                                                                  قوله " يروح بها ويغدو " ; أي يروح عامر بالمنحة المذكورة ، ويروح من الرواح وهو الذهاب والمجيء بعد الزوال ، ويغدو بالغين المعجمة خلاف الرواح ، وقد غدا يغدو غدوا .

                                                                                                                                                                                  قوله " فيدلج " من الإدلاج ، من باب الافتعال ; أي يسير من آخر الليل ، يقال أدلج - بالتخفيف - إذا سار من أول الليل ، وادلج - بالتشديد - إذا سار من آخره ، والاسم [ ص: 174 ] منه دلجة بالضم والفتح ، ومنهم من يجعل الإدلاج السير في الليل كله .

                                                                                                                                                                                  قوله " ثم يسرح " ; أي ثم يذهب بها إلى المرعى ، يقال سرحت الماشية تسرح فهي سارحة ، وسرحتها أنا - لازما ومتعديا .

                                                                                                                                                                                  قوله " فلا يفطن به " ; أي فلا يدري به أحد من الرعاء - وهو جمع راع .

                                                                                                                                                                                  قوله " فلما خرجا " ; أي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر رضي الله تعالى عنه ، " خرج معهما " أي خرج عامر بن فهيرة معهما إلى المدينة .

                                                                                                                                                                                  قوله " يعقبانه " بضم الياء ، وقال بعضهم : يعقبانه أي يركبانه عقبة ; وهو أن ينزل الراكب ويركب رفيقه ثم ينزل الآخر ويركب الماشي . وقال الكرماني : أي يردفانه بالنوبة ; يعني كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يردف عامرا نوبة وأبو بكر يردفه نوبة . قلت : الذي قاله الكرماني أولى وأوجه ; لأن الذي قاله البعض يستلزم أن يمشي النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - ويركب عامر ، وهذا لا شك أن عامرا كان لا يرضى بذلك ولا أبو بكر ، ولا هو من الأدب والمروءة ، ويؤيد ما قاله الكرماني ما قاله ابن إسحاق : لما ركب النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - وأبو بكر ، أردف أبو بكر عامرا مولاه خلفه ليخدمهما في الطريق . قلت : هذا لا ينافي الإعقاب .

                                                                                                                                                                                  قوله " فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة " ، وكان يوم بئر معونة في صفر سنة أربع ، وقد مر بيانه .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية